والمعنى: أنه لا يُحِبُّ أحداً إلا لله، ولا يُبغضه إلا لله، وإن أعطى أعطى لله، وكل بَذْلٍ لا يبذله إلا لله، حتى ما يُنفِقُه على زوجتِه، كما في حديث سعدٍ رضي الله عنه: «إِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلاَّ أُجِرْتَ عَلَيْهَا، حَتَّى مَا تَجْعَلُ في فِي امْرَأَتِكَ» (?).
فأهلُ الإيمانِ الكامِلِ كلُّ تصرفاتهم -حتى الأمور الطبيعية العادية- تكون لله عز وجل، فإذا أنفق الواحدُ منهم على أولادِه فإنَّه يُنفِقُ عليهم محتَسِباً، يراعي ما أوجبَ الله عليه من الإحسان إليهم، وما يترتب على إنفاقه عليهم من إغنائهم كفايتهم، وإعانتهم على ما ينفعهم، وهكذا تكون أعماله كلها لله.
وقول الله عز وجل -في الحديث-: «ولا يزال عبدي يتقرب إلَيَّ بالنوافل حتى أُحِبَّهُ، فإذا أحببتُه» يعني المحبةَ الكاملة، وإلا فإنَّ الله يُحِبُّ كلَّ مؤمن، لكن محبته لأوليائه والصالحين من عباده ليست على مرتبةٍ واحدةٍ أو على حدٍّ سواء؛ بل فيها تفاوت وتفاضل كما قال تعالى: {تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض} [البقرة:253] وقال: {ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض} [الإسراء:55]، فالأنبياء والصالحون والمؤمنون متفاضلون فيما بينهم في المرتبة والمحبة.
ثم قال تعالى: «فإذا أحبَبْتُه كنتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسمَعُ بِهِ، وبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ به، ويَدَهُ الَّتي يَبْطِشُ بها، ورِجْلَهُ الَّتي يَمْشِي بها» فأفكارُه تكون أيضاً دائرة على الحق، فإذا كانت هذه حال الجوارح، فحركة الجوارح تابعة لما في القلب، وإنما تكون الجوارح متَقَيِّدَة بهذه الحال بكمال عبودية القلب لله، حباً وخوفاً ورجاءً، وهذا يعني أن المحقِّق لهذه العبودية والمحبة والإيمان لا يريد إلا ما يريده الله، وهذه هي الإرادة الشرعية.
وقول المؤلِّف: (وصارت النَّفْسُ حينئذٍ مطمَئِنَّةً، فَفَنِيَت بِإِرَادَةِ مَولاَهَا عَن