وكما قَرَنَ الله بينَه وبينَ الرَّسُول صلى الله عليه وسلم في المحبَّة قَرَنَ بينَه وبينَه في الطاعة أيضاً؛ فإن محبَّة الرسول صلى الله عليه وسلم تقتضي طاعته طاعةً مطلقةً كطاعة الله؛ لأن طاعة الرسول هي طاعةٌ لله؛ فإن الرسول لا يأمر إلا بطاعة الله ولا ينهى إلا عن معصيته، أما غيره من الخلق فإنه قد يأمر بمعصية الله، فلهذا قُيِّدَت طاعةُ المخلوقِ - غير الرسولِ صلى الله عليه وسلم - بـ «المعروف» أو «بغير المعصية» كما في الحديث: «لا طاعة في المعصية، إنما الطاعة في المعروف» (?).

وتحقيق محبة الرسول صلى الله عليه وسلم إنما هي بمتابعته، بل وتحقيق محبة الله إنما هي بمتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعون}، فاتِّبَاع الرَّسُول صلى الله عليه وسلم هو البرهان، وقد جاء في تفسير هذه الآية -كما ذكر المؤلِّف- أن قوماً ادَّعَوا محبَّة الله فامتحنهم بهذه الآية، ولذا سُمِّيَت هذه الآية بـ «آية المِحْنَة».

ثم أورد المؤلِّف جملةً من أقوال بعض شيوخ الصوفية، كأبي يعقوب النَّهْرَجُورِي، وذي النُّون المِصْرِي، ورُوَيْم وغيرِهم، وهؤلاء من أعلام الصوفية، ولهم أقوالٌ جَيِّدَةٌ حَسَنَةٌ، وكثيراً ما يستشهد بها شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم.

وشيوخ الصوفية المتقدِّمون الغالب عليهم الخير، وإن كان لهم أخطاء كغيرهم من الناس، فكل طائفة من أهل الدين من أرباب السلوك أو أرباب الفقه وغيرهم، كل من هؤلاء فيهم المعتدل والمستقيم، وفيهم من يكون عنده بعض الأخطاء في قوله أو في فعله، والواجب العدل في الحكم على الطوائف والجماعات وعلى الأفراد.

والمقصود أنَّ المؤلِّف -رحمه الله- يستشهد في هذه الرسالة وفي غيرها بأقوال أولئك الصوفية؛ لأنَّ عباراتهم الواردة في هذا صحيحةٌ، وأنَّ العنوانَ على صدقِ المحبة هو الطاعةُ والوقوفُ عند الحدود، ومحبةُ ما يُحِبُّه الله، إلا أنَّ الأمر لا يقف عند حد المحبة، فالعبودية تتضمن المحبة والخوف والرجاء معاً {أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته

طور بواسطة نورين ميديا © 2015