إذًا فقول «لا إله إلا الله» يقتضي أن يكون قائلُها محِبَّاً لله، ومحِبَّاً لما يُحِبُّه الله، وهذا أمرٌ بَدَهِيٌّ، وهو مما فَطَرَ الله عليه عِبَادَهُ، فإنَّ محبَّةَ الحَبِيبِ تقتضي محبَّةَ ما يُحِبُّه، بل وبُغْضَ ما يُبغِضُهُ.
بل إنَّ قولَ «لا إله إلا الله» كما أنَّه يقتضي محبَّة الله فإنَّه يقتضي أيضاً خوفَه ورجاءَه، فلابد إذاً من تصديق هذه الكلمة، وتصديقُها إنما هو بمحبة ما يُحِبُّه الله وبُغْضِ ما يُبغِضُه، فبحسب ما يكون بالقلب من محبَّة الله وصِدْقِ العبودية له تكون حال الإنسان في تعامله مع الأشياء، فيُحِبُّ ما يُحِبُّه الله ويُبغِضُ ما يُبْغِضُهُ الله.
وأما من عَكَسَ؛ فَأَحَبَّ ما يُبغِضُه الله، أو أَبغَضَ ما يُحِبُّه الله، كان ذلك مكذِّباً لدَعْوَاهُ المحبَّة، أو دَالاً على نقصٍ فيما يدَّعِيه من المحبَّة.
ومعنى هذا أنَّ كمال التوحيد يقتضي محبَّة ما يحبُّه الله، وبُغْضَ ما يُبغِضُه الله؛ من الأعمال والأقوال والأشخاص.
فيقتضي محبة ما أمر الله به ورسوله، وبغض ما نهى الله عنه ورسوله، ويقتضي أيضاً محبة أولياء الله، وبغض أعدائه.
إذًا؛ فمن لم يتحقق بهذا فلابد وأن يكون عنده نوعٌ من الشرك في المحبة، فمن أحبَّ شيئاً مما يبغضُه الله أو كَرِهَ شيئاً مما يحبُّه لم يكن محقِّقاً لمحبَّة الله؛ فإنَّ محبَّة الله المطلقة التامَّة تقتضي محبَّة كل ما يحبه الله وكل من يحبه الله، وبغض كل ما يبغضه الله وكل من يبغضه الله.
ومن ذلك محبةُ الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فإنَّ محبةَ الرسول صلى الله عليه وسلم هي من محبةِ الله، ومحبةُ المؤمنين هي من محبةِ الله، فهي فرعٌ وتَبَعٌ.
وقد قَرَنَ الله محبةَ الرَّسول صلى الله عليه وسلم بمحبتِه في كتابِه الكريم فقال تعالى: {قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم} إلى قوله: {أحب إليكم من الله ورسوله}، وفي الحديث أيضاً: ... «ثلاثٌ مَن كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلاَوَةَ الإِيمان: أن يَكُونَ الله ورَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيهِ مِمَّا سِوَاهُمَا» (?).