لأصل التوحيد، ومَن قال هذه الكلمة «لا إله إلا الله» ثم أتى بما يناقضها فهو كافرٌ مُرتَدٌّ خارجٌ عن مِلَّةِ الإسلام، لا ينفعه قوله لها بلسانه؛ لأنه قد انتقض في حقه شرطٌ من الشروط، فإن الشهادتين تقتضيان: تحقيق التوحيد، وتحقيق المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم؛ فشهادة أن محمداً رسول الله تقتضي تصديق الرسول بكل ما أخبر به، وطاعته بكل ما أمر به أو نهى عنه، وألا يُعْبَدَ الله إلا بما شَرَعَ.

فلا بدَّ لتحقيق هاتين الشهادتين من القيام بما تقتضيه من أداء الفرائض، واجتناب المحرَّمات.

إذاً فالذنوب منها ما يناقض أصل التوحيد، ومنها ما يناقض كماله، كما تقدم.

ثم ذكر المؤلِّف -رحمه الله- جملةً من الذنوب مما ورد إطلاق اسم «الكفر» عليه؛ كقتال المسلم، أو إتيان الكاهن، أو إتيان المرأة في دبرها، أو إتيان الحائض.

ومن هذا الجنس إطلاق اسم «الكفر» على: الطعن في النسب، والنياحة على الميت، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: «اثْنَتَانِ فِي النَّاسِ هُمَا بِهِمْ كُفْرٌ: الطَّعْنُ فِي النَّسَبِ، وَالنِّيَاحَةُ عَلَى الْمَيِّتِ» (?).

وكلُّ هذه ذنوبٌ تنافي تحقيق التوحيد والإيمان، وهذه الذنوب منها ما أُطلق عليه اسم «الشرك»، ومنها ما أُطلق عليه اسم «الكفر».

فعُلِمَ بهذا أنَّ «لا إله إلا الله» لها مدلولٌ عظيمٌ، وأهلُها في تحقيقه متفاوتون، فأكملُ النَّاسِ توحيداً هم الرُّسُلُ، وأكمَلُهم أولو العَزْمِ، ثم النَّاسُ بعد ذلك على مراتب؛ فمنهم الصدِّيقُون والشهداءُ والصالحون، ومنهم مَن هم دون ذلك، وهم الظالمون لأنفسهم، ومنهم مَنْ يُخرَجُون من النار بشفاعة الشافعين وبرحمة أرحم الراحمين.

وهؤلاء كُّلهم يَصدُقُ عليهم أنَّهم موَحِّدُون، وكلُّهم يقولون «لا إله إلا الله»، لكن مع التباين العظيم في العلمِ بمعناها والصدقِ والإخلاصِ في أدائها والعملِ بمقتضاها، وهو تباينٌ وتفاوتٌ لا يعلم مداه إلا الله سبحانه وتعالى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015