الكتاب وآخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله} [آل عمران:7].
وهذا مسلك لأهل الزيغ يسلكونه في الآيات المتشابهات، وفي الأحاديث المتشابهات أيضاً، والتي منها نصوص الوعد هذه، بل وكذلك نصوص الوعيد فيها ما هو من المتشابه الذي يُشْكِلُ معناه، ولهذا وقع من الانقسام والافتراق في فهم هذه النصوص ما وقع، فهدى الله أهل السنة والجماعة -المتَّبِعين للسَّلَفِ الصالح بإحسان- إلى الحق والصواب، فرَدُّوا النصوص بعضها إلى بعض، وجمعوا بين نصوص الوعد والوعيد، وفهموا عن الله ورسوله فهماً حسناً.
وأما أهل البدع والضلال من الخوارج والمعتزلة والمرجئة وغيرهم فقد ساء فهمهم لكلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم.
ولِمَا في هذا الحديث - حديثِ معاذٍ - وأمثالِه من الاشتباه نهى النبي صلى الله عليه وسلم معاذَاً من أن يُحَدِّثَ به النَّاسَ، لئلا يتكلوا على هذا الوعد ويتركوا العمل؛ اعتِمَاداً عَلَى مَا يَتَبَادَر مِن ظَاهِر الحديث.
ولا ريب أن المراد بـ «النَّاسِ» هنا: الناس الذين لا يحسنون فهم هذا الحديث، وفي هذا فضيلة لمعاذٍ رضي الله عنه، وشهادةٌ له بأنَّه ممن يحسن الفهم عن الله ورسوله؛ ولهذا خَصَّه النبي صلى الله عليه وسلم بالتحديث بهذا الأمر، ونهاه عن أن يُحَدِّثَ به عمومَ النَّاسِ، ولا شك أنَّ في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قومٌ كثيرٌ ممن هو في منزلة معاذٍ وفوقها.
ولهذا أبو هريرة رضي الله عنه لما أَخبَر عن الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا المعنى أنكر عليه عمر رضي الله عنه أن يُحَدِّثَ به، واستثبتَ منه الحديثَ، حتى رجع أبو هريرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشتكي عمر، فذكر له عمرُ أنَّه يخاف على الناس أن يتَّكِلُوا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خَلِّهِم يَعمَلُون» (?).