الأخرى: «وحق العباد على الله ألاَّ يُعَذِّب من لم يشرك به شيئاً»، فالحديثُ واحِدٌ، والروايتان متفقتان في المعنى، فكأنَّ اختلاف اللفظ راجعٌ إلى الرواية بالمعنى.
فشهادة: «أن لا إله إلا الله» هي معنى «حقُّ اللهِ على العِبَادِ أن يَعبُدُوه ولا يُشْرِكُوا به شَيئاً»، وهذا هو مضمون شهادة: «أن لا إله إلا الله».
وشهادة «أنَّ محمداً رسول الله» تتضمن الإيمان به وبما جاء به، وأعظم ما جاء به هو «التوحيد».
ولفظ «الشهادة» في قوله صلى الله عليه وسلم: «مَا مِن عَبدٍ يَشهَدُ ...» يقتضي العلم والصدق واليقين، فلابد في الشهادة من العلم؛ لأن الشهادة بلا علمٍ كَذِبٌ، ولابد فيها أيضاً من الصدقِ، ولذا المنافقون لما قالوا بألسنتهم ما ليس في قلوبهم أكذبهم الله تعالى، كما في قوله جلَّ شأنه: {إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} [المنافقون:1].
فكل هذه الأحاديث ليس فيها إطلاق الوعد بدخول الجنة أو النجاة من النار على مجرد القول، وإن ورد شيءٌ مضافٌ إلى مطلق القول فإنه مقيَّدٌ بالنصوص المتضمنة لتلك الشروط، من العلم، والإخلاص، والصدق، واليقين المنافي للشك، وغيرها من الشروط.
فهذه الأحاديث فهم منها أهل العلم الدلالة على فضل التوحيد، وعظيم ثوابه وأثره، وهؤلاء هم أهل الفهم الصحيح، وسيأتي كلام المؤلِّف على هذه الأحاديث وذكر مذاهب الناس فيها (?).
أما المرجئة فاتخذوا من هذه الأحاديث شبهة لهم، وفهموا منها أنهم يكفيهم من دين الله عز وجل أن يقولوا: «لا إله إلا الله» بألسنتهم فقط، ولم ينظروا إلى ما قُيِّدَت به من الإخلاص والصدق واليقين والانقياد الذي يقتضيه لفظ الشهادة، كقوله صلى الله عليه وسلم: «أُمِرتُ أن أقاتل النَّاسَ حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله،