فضل التوحيد وخَصَّ منها الأحاديث الدالة على أن من شهد شهادة التوحيد فإنه يدخل الجنة أو يحرم على النار.
ثم بعد هذا انتقل للكلام على هذه الأحاديث، فقَسَّمَها إلى نوعين:
أحدهما: الأحاديث التي فيها أنَّ مَن أتى بالشهادتين دخل الجنة ولم يحجب عنها، ثم ذكر أن هذا النوع من الأحاديث ظاهرٌ لا إشكال فيه؛ لأنه ليس فيها نفي أنَّه يُعذَّب على قدر ذنوبه، إنما فيها الإخبار بدخول الجنة فحسب، والمؤمن الموحِّدُ -وإن عُذِّبَ- فمآله إلى الجنَّة، لأنَّ النَّار لا يُخلَّدُ فيها أحدٌ من أهلِ التوحيدِ الخالِصِ.
والثاني: الأحاديث التي فيها أنَّ مَن أتى بالشهادتين فإنه يُحرَّم على النَّار، وهذا النوع من الأحاديث هو موطن الإشكال؛ لأنه قد دلت النصوص الأخرى على دخول بعضِ عُصَاة الموحِّدِين النَّارَ، ثم أفاض -رحمه الله- في ذكر أجوبة أهل العلم على هذا، فذكر منها أربعة، ورجَّح قولَ مَن قال: بأنَّ المرادَ من هذه الأحاديث أنَّ «لا إله إلا الله» سببٌ لدخول الجنَّة والنَّجَاةِ من النَّارِ ومقتضٍ لذلك، ولكن المقتضي لا يعمَل عمَلَه إلا باستجماعِ شروطِه وانتفاءِ موانِعِه، فقد يتخلَّف عنه مقتضَاه لفواتِ شرطٍ من شروطِه أو لوجودِ مانعٍ، ثم قال: (وهذا هو الأظهر).
وهناك جوابٌ آخر أورده ابن رجب وظاهر صنيعه أنه يختاره ويرتضيه أيضاً، وهو قول طائفة من أهل العلم أنَّ تلك النصوص المطلقة قد جاءت مقيَّدة في أحاديث أخر، والتي تفيد بأن ذلك الثواب إنما هو لمن يقولها بصدق وإخلاص ومحبة ويقين ونحو ذلك.
ثم استطرد -رحمه الله- بكلامٍ طويلٍ نفيسٍ في التدليل والتعليل على صحة هذين الجوابين، وكان مما قال: (وتحقيقُ هذا المعنى وإيضَاحُه أنَّ قولَ العبدِ: «لا إله إلا الله»، يقتضي أن لا إله له غير الله، و «الإله» هو الذي يُطَاعُ فلا يُعصَى؛ هيبةً له وإِجلالاً، ومحبةً، وخوفاً، ورجاءً، وتوكلاً عليه، وسؤالاً منه، ودعاءً له، ولا يَصْلُحُ ذلك كلُّه إلا لله عَزَّ وجَلَّ.