فإذا تحقَّقت أنهم مقرون بهذا ولم يُدخِلهم في التوحيد الذي دعاهم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعرفت أن التوحيد الذي جحدوه هو توحيد العبادة الذي يسميه المشركون في زماننا الاعتقاد، كما كانوا يدعون الله ليلاً ونهاراً؛ ثم منهم من يدعو الملائكة لأجل صلاحهم وقربهم من الله، أو يدعو رجلاً صالحاً مثل اللات، أو نبياً مثل عيسى.

ـــــــــــــــــــــــــــــ

خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} 1.

وهذا مما احتج به تعالى عليهم؛ احتج عليهم بما أقروا به من ربوبيته على ما جحدوه من توحيد العبادة؛ فإن توحيد الربوبية هو الأصل وهو الدليل على توحيد الألوهية، فإذا كان الله تعالى هو المتفرِّد بخلق السماوات والأرض لم يشرك فيه ملك مقرب ولا نبي مرسل. فكونه هو الخالق وحده يقتضي أن يكون هو المعبود وحده؛ فإنه من أبعد شيء أن يكون المخلوق مساوياً للخالق أو مستحقاً لما يستحقه الخالق، فلا يُسوَّى ولا يُجعل مَن لا شركة له في شيء شريكاً لمن هو مالك كل شيء، فإقرارُهم بالربوبية ناقص، لو كان حقيقة لعملوا بمقتضاه، لو تمَّموا أنه الخالق وحده الرازق وحده لما جعلوا له نداً من خلقه؛ لكنه مع ذلك فيه ضعف؛ لو أنه تام لما تخلَّف عنه إفراده بالعبادة.

(فإذا تحقَّقت أنهم مقرون بهذا) إذا تحققت مما تقدم أنهم مقرون بتوحيد الربوبية وأنه لم يدخلهم في الإسلام لم يكونوا مُوحِّدين بل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015