انتهينا من الانحراف الأول الذي وقع في مفهوم لا إله إلا الله، والانحراف الثاني أشار إليه الشيخ رحمه الله فيما تقدم، ونص عليه ثانياً هنا.
فقال رحمه الله: [والحاذق منهم -يعني من هؤلاء الجهال- يظن أن معناها -أي: معنى لا اله إلا الله- لا يخلق إلا الله، ولا يرزق إلا الله، ولا يدبر الأمر إلا الله] .
ثم قال الشيخ: [فلا خير في رجل جهال الكفار أعلم منه بمعنى لا إله إلا الله] ، ولا شك أن تفسير لا إله إلا الله بهذه الكلمات انحراف وضلال، وقد تقدم الإشارة إلى هذا، ووجه ضلال من فسر لا إله إلا الله بأنه لا خالق إلا الله، ولا صانع إلا الله، ولا مخترع إلا الله، يتبين من عدة وجوه: الوجه الأول: أن المعنى اللغوي لكلمة (إله) المعبود المطاع، وليس في معاجم العرب ولا في ألسنتهم أن معنى الإله الخالق، ولا أن معنى الإله الرازق، ولا أن معنى الإله المالك، ولا أن معنى الإله المدبر، ولا أن معنى الإله المتصرف والمخترع والصانع، بل لسان العرب يدل على أن معنى الإله هو المألوه، أي: المعبود، وهذا يمكن الوقوف عليه من خلال مطالعة معاجم اللغة، بل من معرفة الكفار للمعنى الذي طولبوا به؛ فإنهم فهموا من مطالبة الأنبياء لهم بلا إله إلا الله أن يفردوا الله سبحانه وتعالى بالعبادة.
الوجه الثاني: التفسير لكلمة لا إله إلا الله بأنه لا خالق أو لا مدبر أو لا مالك أو لا مخترع أو لا صانع إلا الله، لم يعرف ولم ينقل عن أحد من السلف.
الوجه الثالث: أن المشركين الذين بعث فيهم النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يقرون بأنه لا خالق إلا الله، ولا مالك إلا الله، ولا مدبر إلا الله، كما تقدم بيانه، فلو كان معنى لا إله إلا الله لا خالق إلا الله، ولا مدبر إلا الله، ولا مخترع ولا صانع إلا الله، لما كانت هناك خصومة بين الرسل وأقوامهم، ولما وقع الخلاف، ولما قالوا: (إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ) ، إذ أنهم يقرون بأنه لا خالق ولا مالك ولا مدبر ولا صانع إلا الله.
الوجه الرابع مما يتبين به بطلان هذا التفسير: أن هذا تفسير باللازم؛ فإن من لازم الإله أن يكون خالقاً ومالكاً ومدبراً وصانعاً ومخترعاً ورازقاً، والتفسير باللازم لا يسوغ إذا كان يقتضي تعطيل المعنى الحقيقي للكلمة، فلابد من تعريف الشيء بحقيقته، ولا بأس بذكر اللوازم، أما أن نقصر معنى الكلمة على لوازمها، ونعطلها عن معناها الذي تدل عليه؛ فإن هذا انحراف وضلال.
إذاً: تبين لنا بطلان هذا التعريف من خلال هذه الأربعة الأوجه.
إذاً: هناك نوعان من الانحراف في لا إله إلا الله.
الانحراف الأول عند من يقولون: نكتفي بلفظها دون معناها: والانحراف الثاني: عند من يفسرونها بأنه لا خالق ولا مالك ولا مدبر إلا الله.
واعلموا -أيها الإخوة- أن كثيراً من الكتاب المتأخرين يفسرون لا إله إلا الله بهذا التفسير، وهذا ناشئ؛ لأن التوحيد -الذي هو غاية المطلوب- عند كثير من المتكلمين هو أن تقر بأن الله هو الخالق الرازق المدبر، ولا شك أن هذا انحراف، فإنهم انتهوا إلى حيث ابتدأ الرسل، فالرسل كانوا يبتدئون من توحيد الربوبية وينتهون إلى تقرير توحيد الإلهية، وهؤلاء يبتدئون من أنواع من الضلالات وينتهون إلى تقرير توحيد الربوبية.