قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فمن قال: أسألك بإيماني بك وبرسولك ونحو ذلك، أو بإيماني برسولك ومحبتي له ونحو ذلك، فقد أحسن في ذلك كما قال تعالى في دعاء المؤمنين: {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ} [آل عمران:193]، وقال تعالى: {الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:16]، وقال تعالى: {إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ} [المؤمنون:109]، وقال تعالى: {رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} [آل عمران:53].
وكان ابن مسعود يقول: اللهم أمرتني فأطعت، ودعوتني فأجبت، وهذا سحر فاغفر لي.
ومن هذا الباب حديث الثلاثة الذين أصابهم المطر، فأووا إلى الغار وانطبقت عليهم الصخرة، ثم دعوا الله سبحانه بأعمالهم الصالحة، ففرّج عنهم وهو ما ثبت في الصحيحين.
وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا خالد بن خراش العجلاني وإسماعيل بن إبراهيم قالا: حدثنا صالح المري عن ثابت عن أنس رضي الله عنه أنه قال: دخلنا على رجل من الأنصار وهو مريض ثقيل، فلم نبرح حتى قُبض، فبسطنا عليه ثوبه، وله أم عجوز كبيرة عند رأسه، فالتفت إليها بعضنا، وقال: يا هذه احتسبي مصيبتك عند الله، قالت: وما ذاك، مات ابني؟ قلنا: نعم، قالت: أحق ما تقولون؟ قلنا: نعم، فمدت يديها إلى الله فقالت: اللهم إنك تعلم أني أسلمت وهاجرت إلى رسولك رجاء أن تعقبني عند كل شدة فرجاً، فلا تحمل علي هذه المصيبة اليوم، قال: فكشفت الثوب عن وجهه فما برحنا حتى طعمنا معه.
وروى في كتاب الحلية لـ أبي نعيم أن داود عليه السلام قال: بحق آبائي عليك، إبراهيم وإسحاق ويعقوب، فأوحى الله تعالى إليه: يا داود! وأي حق لآبائك علي؟.
وهذا وإن لم يكن من الأدلة الشرعية فالإسرائيليات يُعتضد بها، ولا يُعتمد عليها].
بهذه المناسبة؛ لأن هذه قاعدة عظيمة أشار إليها الشيخ يغفل عنها كثير من طلاب العلم اليوم خاصة مع كثرة الطاعنين في مناهج السنة، وهي مسألة إيراد مثل هذه الآثار الإسرائيلية أو الأحاديث الضعيفة عند الاستدلال على بعض المسائل.
وقد ظهرت أيضاً عندنا هذه الشنشنة من جديد في بعض شبابنا المفتونين، وهي اتهام السلف بأنهم يعتمدون في الاستدلال على الإسرائيليات والأحاديث الضعيفة والحكايات التي لا أصل لها، وأن كتبهم مليئة بهذه الآثار التي لا أصل لها، حتى أوهم أحدهم في مذكرة انتشرت بين الناس اليوم أن كثيراً مما استدل به السلف في أصول الدين ومناهج السلف العلمية والعملية تقوم على هذا المنهج الخاطئ في الاستدلال، وأوهم أن السلف ليس عندهم في تقرير الدين والدعوة إليه ومحاجة الخصوم إلا حشد هذه الآثار الضعيفة إلا القليل.
أقول: لا شك أن هذه فرية، وما كان ينبغي أن تنطلي على مسلم فضلاً عن طالب علم، وهي فرية ليست جديدة بل قديمة، قال بها أهل الأهواء والبدع منذ نشأت الأهواء والبدع.
وأقول: إن السلف فعلاً قد يستدل أحدهم بالإسرائيليات، أو بالحكايات الضعيفة، أو بالأحاديث الضعيفة في معرض الاستدلال على قضية ما من قضايا الدين، لكن كيف كانوا يستدلون، وهل كانوا يستدلون بهذه الأحاديث الضعيفة على مسائل الدين المهمة؟ لا، فالثابت والمتقرر والذي عليه جميع علماء السنة المعتبرين أنهم لا يستدلون في قضية من قضايا الدين القطعية أو أصل من أصول السنة التي اتفقوا عليها إلا بدليل صحيح من القرآن أو السنة أو مما أجمع عليه السلف، لكن بعد الاستدلال بذلك قد يحشدون هذا النوع من الأدلة الإسرائيلية والضعيفة من باب الاعتضاد لا من باب الاعتماد، مثل ما تحشد الجيوش من الأقوياء الشجعان المدربين وممن دونهم من الضعاف والجبناء أحياناً من باب تكثير القوة أمام الخصم، فلا أعرف قضية من قضايا الدين اعتمد فيها السلف على أحاديث موضوعة ولا ضعيفة، أو حكايات إسرائيلية أو تاريخية أبداً، وأقول ذلك جازماً، ولذلك فإن بعض المسائل التي استدل بها بعض أهل العلم المعتبرين بحديث ضعيف، اعتبرها الآخرون من الشذوذ في الرأي ومن الزلّات، والزلّات ليست عقائد للأمة، نعم قد يستدل بعض العلماء بأشياء ضعيفة ويعتقدها ويجزم بها، لكن هل هذا منهج الجميع؟ لا، بل هذه تعتبر من الزلّات التي يقع فيها البشر وليس أحد معصوماً إلا الرسول صلى الله عليه وسلم، أما المنهج الذي عليه سلف الأمة الاعتقادي والعلمي والعملي فليس فيه ما يستدل به بحديث ضعيف أو دلالة محتملة قطعاً وبعض هؤلاء الذين كتبوا -