قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: [وإذا قال السائل: أسألك بحق الملائكة، أو بحق الأنبياء وحق الصالحين -ولا يقول لغيره: أقسمت عليك بحق هؤلاء- فإذا لم يجز له أن يحلف به ولا يقسم على مخلوق به، فكيف يقسم على الخالق به؟ وإن كان لا يُقسم به، وإنما يتسبب به فليس في مجرد ذوات هؤلاء سبب يوجب تحصيل مقصوده، ولكن لابد من سبب منه كالإيمان بالملائكة والأنبياء، أو منهم كدعائهم، ولكن كثيراً من الناس تعودوا ذلك، كما تعودوا الحلف بهم، حتى يقول أحدهم: وحقك على الله، وحق هذه الشيبة على الله.
وإذا قال القائل: أسألك بحق فلان، أو بجاهه، أي: أسألك بإيماني به، ومحبتي له، وهذا من أعظم الوسائل.
قيل: من قصد هذا المعنى فهو معنى صحيح، لكن ليس هذا مقصود عامة هؤلاء].
يظهر لي أن في المعنى شيئاً من الغموض يحتاج إلى بيان.
يقول: قال القائل: أسألك بحق فلان، والمثال أكثر ما ينطبق على النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا سأل السائل ربه عز وجل، وقال: اللهم إني أسألك بحق رسولك أو بجاهه، فقد يقصد معنى صحيحاً على وجه بعيد جداً؛ لكن هذا المعنى بعيد لا يدل عليه اللفظ، لكن نقول: نظراً لأن مقاصد الناس لا يعلمها إلا الله عز وجل، وهذا اللفظ يحتمل هذا المعنى، وهو أن السائل بالنبي صلى الله عليه وسلم أو بحق النبي أو بجاهه أراد إيمانه وتصديقه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فنقول: من قصد هذا المعنى فإنه معنى صحيح، لكن يبعد أن تقصد إيمانك بالنبي صلى الله عليه وسلم وتسميه جاه الرسول صلى الله عليه وسلم أو حق الرسول، كيف تسمي إيمانك حق النبي صلى الله عليه وسلم؟ نعم هو حق له من حيث إنه يجب التصديق والإيمان والمحبة له صلى الله عليه وسلم، لكن السؤال بهذا الشيء وبهذا اللفظ بعيد جداً، ولذلك فالوجه الصحيح لمن يريد هذا المعنى أن يقول: اللهم إني أسألك بحبي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أو بإيماني به صلى الله عليه وسلم، أو باتباعي له صلى الله عليه وسلم فإنه يحق له ذلك، لكن هذه اللفظة يبعد أن يقصد بها هذا المعنى الذي ذكره الشيخ، ولذلك يبدو لي أنه ساق هذا من باب الاحتياط؛ لئلا يوجد أحد من الصالحين أو من أهل السنة، أو من العلماء المقتدى بهم قال هذا اللفظ ويقصد هذا المعنى، وهو معنى قد يرد لكنه بعيد جداً ولا يسوّغ استعمال هذه العبارة؛ لأنها إلى المعنى المبتدع أقرب، وهي إلى الاشتباه أيضاً أقرب؛ فيجب اجتنابها.