قال رحمه الله تعالى: [وأما الحديث الذي يروى عن عبد الملك بن هارون بن عنترة عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كانت يهود خيبر تقاتل غطفان، فكلما التقوا هزمت يهود؛ فعاذت بهذا الدعاء: اللهم إنا نسألك بحق محمد النبي الأمي الذي وعدتنا أن تخرجه لنا آخر الزمان إلا نصرتنا عليهم، فكانوا إذا دعوا بهذا الدعاء؛ هزموا غطفان، فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم كفروا به؛ فأنزل الله تعالى: {وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ} [البقرة:89]، وهذا الحديث رواه الحاكم في مستدركه، وقال: أدت الضرورة إلاَّ إخراجه، وهذا مما أنكره عليه العلماء].
وفي نسخة: (إلى إخراجه)، وكلتاهما صحيحتان.
وقصد الشيخ: أن هذا الحديث اضطر بحكم سنده فيما يظهر لي أن يخرجه، هذا الذي يظهر أنه التزم إخراج الأحاديث على شرط الصحيحين، فتوهم أن هذا على شرط الصحيحين.
وقول المؤلف رحمه الله تعالى: (وهذا مما أنكره عليه العلماء).
يعني: أنكروا وما وافقوه أن هذا على شرط الصحيحين، كما هو معروف أنه استدرك على الحاكم مستدركات كثيرة، من ضمنها هذا الحديث.
قال رحمه الله تعالى: [فإن عبد الملك بن هارون من أضعف الناس، وهو عند أهل العلم بالرجال متروك، بل كذاب، وقد تقدم ما ذكره يحيى بن معين وغيره من الأئمة في حقه.
قلت: وهذا الحديث من جملتها، وكذلك الحديث الآخر الذي يرويه عن أبي بكر كما تقدم.
ومما يبين ذلك أن قوله تعالى: {وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا} [البقرة:89]، إنما نزلت باتفاق أهل التفسير والسير في اليهود المجاورين للمدينة أولاً؛ كبني قينقاع، وقريظة، والنضير، وهم الذين كانوا يحالفون الأوس والخزرج].
يعني: لم تنزل هذه الآيات في أهل خيبر باتفاق المفسرين؛ لأنها وردت في حال اليهود الذين هم جيران أهل المدينة، أو ساكنو المدينة.
قال رحمه الله تعالى: [وهم الذين عاهدهم النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة، ثم لما نقضوا العهد حاربهم، فحارب أولاً بني قينقاع، ثم النضير -وفيهم نزلت سورة الحشر- ثم قريظة عام الخندق.
فكيف يقال: نزلت في يهود خيبر وغطفان؟ فإن هذا من كذاب جاهل لم يحسن كيف يكذب.
ومما يبين ذلك: أنه ذكر فيه انتصار اليهود على غطفان لما دعوا بهذا الدعاء، وهذا مما لم ينقله أحد غير هذا الكذاب، ولو كان هذا مما وقع؛ لكان مما تتوفر دواعي الصادقين على نقله.
ومما ينبغي أن يعلم: أن مثل هذا اللفظ لو كان مما يقتضي السؤال به، والإقسام به على الله تعالى؛ لم يكن مثل هذا مما يجوز أن يعتمد عليه في الأحكام؛ لأنه -أولاً- لم يثبت، وليس في الآية ما يدل عليه].
يقصد باللفظ: ما سبق في الحديث الضعيف أو الموضوع السابق: (اللهم إنا نسألك بحق محمد النبي الأمي)، يقول: هذا لم يثبت، ولو ثبت فهو ليس على هذا الوجه الذي فسروه به.