في هذه القصة أمور زائدة عن أصل الحديث الأول، من هذه الأمور أن هذه القصة حدثت بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم.
ومنها أن هذا الصحابي وجّه هذا الرجل إلى أن يعمل عملاً صورته قريبة من صورة ما حدث للأعمى، لكن بغياب النبي صلى الله عليه وسلم وليس بحضوره، وأنه لا يريد بها التوسل بالرسول صلى الله عليه وسلم مباشرة إنما أراد التوسل به، ثم أيضاً أن يؤثر هذا التوسل في عثمان رضي الله عنه، وهذا أمر فيه إشكال، إذ كيف يطلب منه أن يتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بأن يقضي عثمان حاجته؟ هذه مسألة تدل على أن القصة فيها نوع لبس كما سيذكر الشيخ فيما بعد.
ثم إن الذي وجهه إلى ذلك ما أراد أن يتدخل مباشرة في القصة، وإلا لكان من الممكن أن نقول إنه أراد أن يشفع له عند عثمان بعدما يعمل هذا العمل، كأنه يريد الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم على وجه من الوجوه، لكن كان في نية عثمان بن حنيف ألا يذهب به إلى عثمان، إنما تصور القصة أنه يعتقد أنه إذا فعل ذلك فإن هذا العمل بذاته سيؤثر في عثمان رضي الله عنه فيقضي له حاجته.
إذاً القصة فيها غرائب وغوامض ومقاطع منفكة عن الأصل الذي وردت فيه، مما يدل على أن هذه الحكاية ليست صحيحة بهذه الصورة، وأن فيها جملة أغلاط وتوهمات، وربما يكون هذا راجعاً إلى أن القصة لا أصل لها، أو أن سندها غير صحيح.
قال رحمه الله تعالى: [ثم إن الرجل خرج من عنده، فلقي عثمان بن حنيف، فقال له: جزاك الله خيراً ما كان ينظر في حاجتي ولا يلتفت إلي حتى كلمته في، فقال عثمان بن حنيف: ما كلمته، ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول، وجاءه ضرير، فشكا إليه ذهاب بصره، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (أو تصبر؟ فقال له: يا رسول الله ليس لي قائد وقد شق علي، فقال: ائت الميضأة فتوضأ وصل ركعتين، ثم قل: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه إلى ربي فيجلي لي عن بصري، اللهم فشفعه في، وشفعني في نفسي، قال عثمان بن حنيف: فوالله ما تفرقنا وما طال بنا الحديث حتى دخل علينا الرجل كأنه لم يكن به ضر قط).
قال البيهقي: ورواه أحمد بن شبيب بن سعيد عن أبيه بطوله، وساقه من رواية يعقوب بن سفيان، عن أحمد بن شبيب بن سعيد قال: ورواه أيضاً هشام الدستوائي عن أبي جعفر عن أبي أمامة بن سهل عن عمه وهو عثمان بن حنيف، ولم يذكر إسناد هذه الطريق.
قلت: وقد رواه النسائي في كتاب عمل اليوم والليلة من هذه الطريق، من حديث معاذ بن هشام عن أبيه عن أبي جعفر عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن عمه عثمان بن حنيف.
ورواه أيضاً من حديث شعبة وحماد بن سلمة كلاهما عن أبي جعفر عن عمارة بن خزيمة، ولم يروه أحد من هؤلاء لا الترمذي، ولا النسائي، ولا ابن ماجة من تلك الطرق الغريبة التي فيها الزيادة، طريق شبيب بن سعيد عن روح بن القاسم.
لكن رواه الحاكم في مستدركه من الطريقين، فرواه من حديث عثمان بن عمر حدثنا شعبة عن أبي جعفر المدني سمعت عمارة بن خزيمة يحدث عن عثمان بن حنيف: (أن رجلاً ضريراً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ادع الله أن يعافيني فقال: إن شئت أخرت ذلك فهو خير لك، وإن شئت دعوت، قال: فادعه، فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويصلي ركعتين ويدعو بهذا الدعاء: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يا محمد إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه، اللهم فشفعه في وشفعني فيه).
قال الحاكم: على شرطهما.
ثم رواه من طريق شبيب بن سعيد الحبطي، وعون بن عمارة عن روح بن القاسم عن أبي جعفر الخطمي المدني عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن عمه عثمان بن حنيف: (أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم وجاءه ضرير فشكا إليه ذهاب بصره، وقال: يا رسول الله! ليس لي قائد وقد شق علي، فقال: ائت الميضأة، فتوضأ ثم صل ركعتين ثم قل: اللهم إني أسألك، وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي، فيجلي لي عن بصري، اللهم فشفعه في وشفعني في نفسي، قال عثمان: فوالله ما تفرقنا ولا طال بنا الحديث حتى دخل الرجل وكأن لم يكن به ضر قط).
قال الحاكم: على شرط