قال رحمه الله تعالى: [والخضر الذي يأتي كثيراً من الناس إنما هو جني تصور بصورة إنسي أو إنسي كذاب، ولا يجوز أن يكون ملكاً مع قوله أنا الخضر، فإن الملك لا يكذب، وإنما يكذب الجني والإنسي.
وأنا أعرف ممن أتاه الخضر وكان جنياً مما يطول ذكره في هذا الموضع.
وكان الصحابة أعلم من أن يروج عليهم هذا التلبيس، وكذلك لم يكن فيهم من حملته الجن إلى مكة وذهبت به إلى عرفات ليقف بها كما فعلت ذلك بكثير من الجهال والعباد وغيرهم، ولا كان فيهم من تسرق الجن أموال الناس وطعامهم وتأتيه به، فيظن أن هذا من باب الكرامات كما قد بُسط الكلام على ذلك في مواضع.
وأما التابعون فلم يعرف تعمد الكذب في التابعين من أهل مكة والمدينة والشام والبصرة، بخلاف الشيعة فإن الكذب معروف فيهم، وقد عرف الكذب بعد هؤلاء في طوائف].
يشير بهذا إلى أن التشيع في ذلك الوقت في الكوفة، ولذلك استثنى مكة والمدينة والشام والبصرة ولم يستثن الكوفة.
قال رحمه الله تعالى: [وأما الغلط فلا يسلم منه أكثر الناس، بل في الصحابة من قد يغلط أحياناً وفيمن بعدهم؛ ولهذا كان فيما صنف في الصحيح أحاديث يعلم أنها غلط وإن كان جمهور متون الصحيحين مما يُعلم أنه حق.
فالحافظ أبو العلاء يعلم أنها غلط، والإمام أحمد نفسه قد بيّن ذلك وبيّن أنه رواها لتعرف، بخلاف ما تعمد صاحبه الكذب.
ولهذا نزه أحمد مسنده عن أحاديث جماعة يروي عنهم أهل السنن كـ أبي داود والترمذي مثل نسخة كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني عن أبيه عن جده، وإن كان أبو داود يروي في سننه منها، فشرط أحمد في مسنده أجود من شرط أبي داود في سننه.
والمقصود أن هذه الأحاديث التي تروى في ذلك من جنس أمثالها من الأحاديث الغريبة المنكرة، بل الموضوعة، التي يرويها من يجمع في الفضائل والمناقب الغث والسمين، كما يوجد مثل ذلك فيما يصنف في فضائل الأوقات، وفضائل العبادات، وفضائل الأنبياء والصحابة، وفضائل البقاع ونحو ذلك، فإن هذه الأبواب فيها أحاديث صحيحة، وأحاديث حسنة، وأحاديث ضعيفة، وأحاديث كذب موضوعة، ولا يجوز أن يُعتمد في الشريعة على الأحاديث الضعيفة التي ليست صحيحة ولا حسنة.
لكن أحمد بن حنبل وغيره من العلماء جوزوا أن يروى في فضائل الأعمال ما لم يُعلم أنه ثابت إذا لم يعلم أنه كذب].