هاتان فائدتان عظيمتان، وهما من جملة اعتقاد السلف في الصحابة رضي الله عنهم، ومن الأمور المتفق عليها مما تبطل به دعاوى أهل الأهواء قديماً وحديثاً، وهو ما بدأت به بعض الاتجاهات وبعض المفتونين -شنشنة لا نزال نسمعها من بعضهم- ودعاوى أن الصحابة منهم من قد يحدث عن الرسول صلى الله عليه وسلم ما لم يثبت، وهذا لا يمكن؛ لأنه يتنافى مع عصمة الدين وحفظه، ويتنافى مع تزكية الصحابة رضي الله عنهم وعدالتهم، فإن عدالتهم معلومة من الدين بالضرورة، لأنه لا يمكن أن يتأتى ما تكفل الله به من حفظ الدين إلا بعدالة الصحابة.
نعم جاءت الأهواء من بعدهم وانتشرت فحدث الكذب، لكن الذين كذبوا كانوا من دون الصحابة أو كذبوا على الصحابة، أما الصحابة رضي الله عنهم فلم يعرف فيهم من تعمد الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا معروف بالاستقراء فضلاً عن أنه من لوازم عصمة هذا الدين وثبات الوحي وحفظه.
الفائدة الثانية: قال: (كما لم يُعرف فيهم من كان من أهل البدع المعروفة)، أي أن الصحابة لم يكن منهم أحد من أهل الأهواء والفرق، نعم الصحابة رضي الله عنهم كسائر البشر قد يقع منهم أخطاء عن اجتهاد لكن لا يتعلق ذلك بالدين، ولم يُعرف أبداً من خلال استقراء حياة الصحابة أن أحداً من الصحابة ابتدع في الدين أو تابع الفرق.
الفرق التي ظهرت في عهد الصحابة من الفرق المشهورة ثلاث فرق فقط: الرافضة بفرقها الأولى، والخوارج، والقدرية هذه الفرق خرجت في عهد الصحابة ولم يكن أحد من الصحابة قال ببدعة من بدع هؤلاء ولا بغيرها من البدع، هذه أيضاً فائدة عظيمة يجب أن نفهمها جيداً، وهذا معلوم بالاستقراء فضلاً عن أنه من الأصول التي هي من حق الصحابة رضي الله عنهم.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا كان فيهم من قال: إنه أتاه الخضر، فإن خضر موسى مات كما بُيّن هذا في غير هذا الموضع].
حتى لو قيل أن الخضر لم يمت وهو خلاف ضعيف، فإنه لم يحدث من أحد من الصحابة أن ادّعى أنه يأتيه الخضر، وهذا رد على أهل البدع من الصوفية ومن سلك سبيلهم، فإنهم لا يزالون يدّعون أن الخضر يأتيهم، وأنهم يستمدون منه أشياء من الدين، ويعتمدون عليه وعلى الرواية عنه وعلى فعله في كذبهم وفي بدعهم العلمية والعملية والاعتقادية.