قال رحمه الله تعالى: [ومنهم من قال: بل يستدبر الحجرة ويسلم عليه].
وانظر كيف بالغ بعض أئمة المذاهب رحمهم الله، وأظنه يقصد الأحناف الأولين، أما المتأخرون فقد وقعوا في أشد من هذه البدع، مع أن هذا لا يزال يوجد في كتبهم.
قال: منهم من قال: بل يستدبر الحجرة ويسلم عليه، يعني: يسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، بمعنى أنه في هذه الحال يكون مستقبل القبلة، ويكون القبر خلفه، وهذه مبالغة في سد الذريعة، مع أن عموم السلف يرون أن الإنسان يسلم على الحالة التي هو عليها، أي أنه إذا مر بحجرة النبي صلى الله عليه وسلم سلّم بدون أن يتعمد أن يكون القبر هنا أو هناك، إلا أن الأولى ألا يكون القبر أمامه والقبلة أمامه حين السلام؛ لأن هذا يشتبه بمن يتوجه للقبر، أما ما عدا ذلك فيسلم على هيئة يكون فيها ماشياً فلا يقف طويلاً أو يستوقف للدعاء، لأن هذا ليس موطناً للدعاء لأن فيه ذريعة لأهل البدع بأن يدعوا غير الله عز وجل أو يتوسلوا بالنبي صلى الله عليه وسلم، فالإنسان يسلّم على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى صاحبيه وهو ماش.
فالذي يهمنا هنا أن بعض هؤلاء الأئمة قال: المشروع أن يستدبر الحجرة ويسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ويكون مستقبل القبلة، وهذه مبالغة منهم في سد الذريعة، وليتهم اطّلعوا على أحوال أتباعهم في هذه العصور ليروا ماذا حدث؟ قال رحمه الله تعالى: [ومنهم من قال: بل يستدبر الحجرة ويسلم عليه، وهذا هو المشهور عندهم، ومع هذا فكره مالك أن يطيل القيام عند القبر.
لذلك قال القاضي عياض في المبسوط عن مالك قال: لا أرى أن يقف عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم يدعو، ولكن يسلم ويمضي].
لأن الدعاء مشروع في كل مكان، وخاصة في وقتنا هذا لا يشرع لمن يسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى صاحبيه أن يقف إلا وقفة بقدر السلام؛ لأنه أحياناً قد لا يتأتى لك السلام مع الزحام، بل تقف بقدر أداء السلام الشرعي ثم تمضي، وإذا سلّمت ولم تقف فهذا هو الأولى سداً للذريعة، لأن أهل البدع الآن صاروا يظنون كل من وقف أنه يدعو بتوسلاتهم البدعية، وأنه لم يقف مسلِّماً مقتصراً على المشروع.