قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإن قال: السبب هو محبتي له وإيماني به وموالاتي له، فهذا سبب شرعي وهو سؤال الله وتوسل إليه بإيمان هذا السائل ومحبته لله ورسوله وطاعته لله ورسوله.
لكن يجب الفرق بين المحبة لله والمحبة مع الله، فمن أحب مخلوقاً كما يحب الخالق فقد جعله نداً لله، وهذه المحبة تضره ولا تنفعه.
وأما من كان الله تعالى أحب إليه مما سواه، وأحب أنبياءه وعباده الصالحين له فحبه لله تعالى هو أنفع الأشياء، والفرق بين هذين من أعظم الأمور].
هذه المسألة تضمنت صورة جائزة، وهي ما إذا كان سأل المستشفع أو المتوسل بعمل قلبي مشروع أو عمل من أعمال الجوارح.
فإذا توسل المسلم بحبه للرسول صلى الله عليه وسلم، فهذا توسل بعمله هو لا بالرسول صلى الله عليه وسلم، فلو قال إنسان: اللهم إني أسألك بحبي لرسولك صلى الله عليه وسلم كذا وكذا، أو اللهم إني أسألك باتباعي لنبيك صلى الله عليه وسلم فإنه بهذا توسل بعمله هو المتعلق بحق الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يتوسل بذات الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا بعمل غيره.
إذاً هذه الصورة قد تشتبه على كثير من أهل البدع الذين استدلوا على من أجازها بجواز غيرها، وهي من الصور التي قد تخفى على كثير من الناس، ومن هنا فإن أكثر الذين ردوا على أهل السنة والجماعة، وعلى شيخ الإسلام بالذات في هذا المقام جهلوا هذه القضية، وظنوا أن شيخ الإسلام لا يجيز التوسل بالإيمان أو بمحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، ظناً منهم أنه ينفي كل ما يتعلق بالرسول صلى الله عليه وسلم من التوسلات، في حين أن الصحيح الذي عليه جمهور السلف أن هناك من صور التوسل بالرسول صلى الله عليه وسلم ما هو جائز كالتوسل بدعائه وهو حي، التبرك بآثاره وهو حي، وكالتوسل بحبه وبالإيمان به وباتباعه بعد وفاته صلى الله عليه وسلم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإن قيل: إذا كان التوسل بالإيمان به ومحبته وطاعته على وجهين].
يعني بالرسول صلى الله عليه وسلم أو بالعمل الصالح.
قال رحمه الله تعالى: [تارة يتوسل بذلك إلى ثوابه وجنته، وهذا أعظم الوسائل، وتارة يتوسل بذلك في الدعاء كما ذكرتم نظائره].
يقصد بهذا أن التوسل الجائز له صورتان: الصورة الأولى: كون المتوسل يريد بذلك الثواب والجنة، حيث يتوسل الإنسان بأعماله الصالحة ويدعو الله عز وجل ويعبده طلباً لثوابه وجنته، فهذا هو الأصل وهو المطلوب من جميع العباد، وهو أصل العبادة وأساسها.
والصورة الثانية: أن يتوسل بالعمل الصالح للوصول إلى غرض آخر، فهذا أيضاً جائز كما في قصة أصحاب الغار الذين توسل كل منهم بعمل صالح لتحقيق غرض وإن كان دنيوياً من جلب نفع أو دفع ضر، فهذا أيضاً جائز بل من الصور المشروعة التي ليس عليها خلاف.