الفائدة الأولى: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتخول أصحابه بالموعظة بين وقت وآخر، فلا يكثر منها، ولا يغفل عنهم، وكان في مجالسه يبين لهم شيئاً من الأحكام وما جاءهم من الوحي، وأحياناً يسمر معهم، وأحياناً يطيل الحديث، وأحياناً يوجز، لكن بين ذلك كله كان لا يغفل عن الموعظة، وهذا أمر ينبغي أن يتنبه له طلاب العلم، والمرشدون والوعاظ والدعاة، وذلك لأنه قلَّ عند الناس اليوم في كلماتهم الإرشادية والدعوية الاهتمام بجانب الوعظ؛ ولذلك فقد يستغرب أو يستهين بعض الناس بهذا الجانب حتى إنهم يصفون الخطيب الواعظ أو الداعية الواعظ أو العالم الواعظ بأنه ليس على المنهج، أو أن منهجه غير متكامل، أو أن عنده جانب نقص في الدعوة، وهذا خطأ، بل ينبغي لكل من تصدى لتوجيه الناس، سواء خطباء الجمع، أو المشايخ وطلاب العلم في الدروس، أو المعلمون في المدارس والمربون، وغيرهم ممن تصدى لإرشاد الأمة بأفرادها ومجموعها، ومؤسساتها ومساجدها وغيرها، أن يكثر من الجانب الوعظي في هذا العصر بالذات؛ لأن الناس كثرت عندهم الملهيات والمشغلات والصوارف التي قست بسببها القلوب.
ولذلك فإن أكثر المسلمين اليوم لا يتعظون بالمواعظ، وأكثر ما يتعرض الناس في حياتهم اليومية للموت بينهم، كم من الجنائز نصلي عليها وندفنها، وكم من أخبار الموتى؟! طربنا الآن من خلال ما نرى وما نسمع وما نقرأ، ومع ذلك تجد المتعظ والمستبصر والمستفيد من عبرة الموت -وكفى بالموت واعظاً- قليل جداً.
بل أصبحت تجمعات الناس واجتماعاتهم والجنائز والمآتم والتعازي شبيهة بالأعراس، أكل وشرب وحديث وابتسامات وضحكات وبيع وشراء.
فالناس يحتاجون إلى الموعظة من قبل الدعاة والمصلحين، وهكذا كانت سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وسنة أصحابه والسلف الصالح، كانوا يتخولون الناس بالموعظة وقلوبهم أنقى من قلوب الناس اليوم، وأكثر استعداداً للخشوع والخشية.
أما الناس اليوم فهم أحوج إلى الموعظة وإلى الخطاب الوعظي، وكنت أتمنى لو أن كل خطيب من خطباء الجمعة هم أكثر من يجتمع حولهم عموم المسلمين في كل مكان أن يخصصوا خطباً متقاربة ولو في الشهر مرة، أو في الشهرين مرة على الأقل يخصص منها خطبة أو خطبتين للمواعظ.