ثم ذكر الشيخ بعد ذلك توجيهاً آخر فيما إذا لم يجد المسلم في بيئة من البيئات أو مكان من الأمكنة جماعة ولا إماماً، وهذا قد ينطبق على عصرنا أكثر من غيره، فقد مر على المسلمين فترات في السابق ويحدث في بعض الأزمان والأمكنة مثل هذا الحال لا يكون للمسلمين في بلد ما أو في مكان ما، لا جماعة ولا إمام ولكنه في زماننا أكثر، وقد يوجد في بعض بيئات المسلمين وفي بعض الأمكنة وفي بعض الظروف أن المسلم عندما يتأمل يجد أنه لا يتحقق في البيئة التي هو فيها معنى الجماعة الشرعي ولا الإمام، ولكن هذا لا يكون في الأمة كلها لوجود طائفة على الحق ظاهرين، والأمة كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم لا تجتمع على ضلالة، وأنه لا يضيع الحق، وأن الحق يبقى كالبيضاء ليلها كنهارها إلى آخره من النصوص التي نجزم قطعاً بأن الحق لا يضيع في مجموع الأمة بكل مكان وفي زمان واحد لا يمكن إلى أن تقوم الساعة، لكن الحديث يحكم حالات محدودة لأفراد محدودين وفي بيئات محدودة وفي زمن محدود، فإذا حدث مثل ذلك فعلى المسلم أن يعتزل هذه الفرق؛ لأنه لا يجد واحدة على السنة ولو وجد واحدة على السنة لما وسعه أن يعتزل، ويجوز له أن يعتزل، لكن ما وجد أحداً على السنة، ولا وجد إماماً يسمع له ويطيع ويخضع، فمن هنا عليه أن يعمل بهذه الوصية، وهذه حالات نادرة تحدث في الأمة.
قال عليه الصلاة والسلام: (فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يأتيك الموت وأنت على ذلك) ولذلك لما تأول بعض الصحابة رضي الله عنهم ما شجر بين الأمة في ذلك الوقت ونظروا في فقه هذا الحديث أبعدوا عن الحاضرة وذهب بعضهم إلى البادية والأرياف بعيدين عن المدن، واعتزلوا الفتنة أخذاً بمثل هذه الوصية، لكن ليس لجميع أفراد الأمة وإنما لمن لم يستبن له الأمر.
ثم ذكر بعد ذلك قال: (ثم يخرج الدجال معه نهر) وهذا فيه إشارة والله أعلم إلى أن الحال الأخيرة تحدث قبيل ظهور الدجال أكثر من غيرها، وإلا فإنها تحدث على فترات التاريخ، ثم قبل خروج الدجال.