ولذلك فإن الأفضل من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين اكتمل فيهم معنى الدين بعد النبي صلى الله عليه وسلم، واكتملت فيهم معاني القدوة، نجدهم ليسوا ممن ينزع إلى العبادة فحسب، أو إلى الجهاد فحسب، أو إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فحسب، أو إلى الدنيا وإن صرفها في سبيل الله فحسب، بل تجد الكُمّل النماذج والطراز الأول والرعيل الأول والقدوة الذين هم الأئمة أولو العزم من الرجال، هم الذين تتكامل شخصياتهم في العبادة والعمل في الدين والدنيا، في العمل الفردي والعمل الجماعي الذي يشاركون فيه الأمة، الأنموذج هم الأئمة والخلفاء الأربعة الراشدون، كل منهم إذا نظرنا إلى حاله وجدناه قمة في العبادة، وإذا نظرنا إلى عمله وجدناه قمّة في أمور إدارة دنيا الناس، وكلهم تولوا الخلافة الراشدة وأداروا بالفتح الدين والإسلام والمسلمين على وجه نادر في التاريخ، وكلهم لهم في الدنيا نصيب، فمنهم من هم أصحاب تجارة كـ أبي بكر وعثمان، وما ألهتهم تجارتهم عن العبادة ولا عن القيام بالجهات الأخرى، وفي الجهاد نجدهم كلهم من المبرزين، وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نجدهم كلهم من المبرزين، وفي أعمال الخيرات والمسابقة إليها نجدهم كلهم من المتسابقين والسابقين لغيرها على ما بينهم من تفاوت، ولا يستطيع مسلم أن يكون مثلهم، لكن يجب ألا نغتر بما يلجأ إليه بعض أصحاب الأهواء والبدع من النزوع إلى أخذ خصائص بعض الصحابة وجعلها هي المنهج فقط، فمثلاً: المتصوفة زعموا أن منهج أهل الصفّة هو المنهج الذي يجب الأخذ به، مع أنهم ما نهجوا منهج أهل الصفّة، فأهل الصفّة لهم ظروفهم وأحوالهم وهم فقراء من مساكين المسلمين، لكن مع ذلك كانوا يجاهدون، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر إلا أنهم مع ذلك اشتهروا بأنهم أكثر الناس تفرغاً للعبادة؛ لأنه لا يشغلهم شاغل ولا يوجد عندهم وسائل للدنيا، فكذلك نجد من يسلك مسلك المراء والجدل والكلاميات يدّعي أن أمثال علي بن أبي طالب رضي الله عنه وابن عباس أصحاب جدل ومناظرات، وليس الأمر كذلك، فما كانت هذه صفاتهم، بل كانت هذه أموراً عارضة يحتاجونها عند الضرورة والحاجة وأيضاً فإن بعض الصحابة لهم خصائص أخرى لكن نجد أنهم في الأمور الأخرى التي ليست من خصائصهم ما نعرف أن لهم إسهاماً مثل إسهام الآخرين، فمثلاً: خالد بن الوليد رضي الله عنه اشتهر بالشجاعة والبراعة في الجهاد والقتال، فهذا من خصائصه لكن لم يكن له في الفقه كبير موقف، ولا يعني أن هذا لا يقدر، لكن أشغله الجهاد، فإذاً: الكمال ندرة في الرجال، وهذا المنهج هو الذي نعتبره المنهج الأمثل، سواء استطاع كل واحد منا أن يصل إليه أو لم يستطع؛ لأن أغلب الناس لا يستطيعون أن يكونوا على هذا المستوى، لكن يجب أن نعلم نظرياً ومنهجياً أن هذا هو المنهج الأمثل وأن نسعى إليه، وإلا فمن المعلوم أنه لا يستطيع كل واحد منا ولا أكثرنا، وربما أننا على وضعنا الحاضر لا نستطيع أن نكون مثل هؤلاء أو قريبين منهم، لكن يجب أن نسعى إلى الأمثل، بمعنى أن نعرف أن نهج الشخصية المسلمة التي تتمثل به القدوة هي الشخصية المتكاملة، وأن هذا هو النهج الذي يدعى إليه الناس، وهو نهج الأئمة الذين يقتدى بهم في الدين، وعلى هذا قيسوا على مدار التاريخ كبار التابعين، الأئمة الأربعة، الدعاة المشاهير في التاريخ، وفي المعاصرين على سبيل المثال الإمام الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تجده في كل عمل يستطيعه له إسهام، في العلم ونشره لا يبارى، وفي الاجتهاد والفقه والأحكام لا يبارى، وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يضاهيه أحد، وفي النصح للمسلمين عامتهم وخاصتهم لا يضاهيه أحد، وفي رعاية أحوال المسلمين من الأيتام والأرامل والمساكين لا يضاهيه أحد في عصره، وفي إغاثة المسلمين في الخارج والاهتمام بشئون المسلمين والأمة جميعاً والسبق إلى الأمور الإغاثية لا يضاهيه أحد، وفي الاهتمام بالأقليات في أقصى الدنيا لا يضاهيه أحد، وفي تفقد أحوال المسلمين حتى خارج هذه البلاد أفراداً وجماعات، مثل المستضعفين والمساكين والعجائز والمرضى لا يكاد يضاهيه أحد، وفي نصرة المظلومين عندما يصل الظلم إلى أقصاه لا يضاهي منهج الشيخ أحد، وتعرفون أنه حينما حدث لبعض طلاب العلم وكادوا أن يُقتلوا في بعض البلاد الإسلامية وحُكم عليهم بالقتل، فالشيخ فزع واتصل بالمسئولين حتى أنقذهم الله على يده، ولم يكتفِ بذلك بل دعاهم بأن يأخذوا عمرة ثم يزوروه في بيته، لما أنقذهم الله على يديه، وغير ذلك من القصص العجيبة التي تدل على كمال الشخصية فيه، فلا تجد الشيخ يدرك باباً للمعروف إلا ويسلكه وهذه من كرامات الله له.
ولو تأملنا كثرة أشغال الشيخ في أمور المسلمين الخاصة والعامة، وتأملنا عملاً واحداً من أعماله لقلنا: هذا يكفي لإتعاب مئات الرجال بل لا أشك ولا أُبالغ حينما أقول: إن بعض أعمال الشيخ في جانب الإغاثة فقط تُعادل عمل مؤسسات