قال رحمه الله تعالى: [باب قول الله تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ} [آل عمران:65]، إلى قوله: {وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [آل عمران:67]، وقوله: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} [البقرة:130]].
قبل أن نتجاوز الآيتين أحب أن أقف بعض الوقفات؛ لأن الأحاديث والآثار التالية تحتاج إلى كلام مستقل.
ذكر الشيخ أن من خصائص الإسلام أنه المهيمن، وأنه الحنيفية ملة إبراهيم، وأنه وصية إبراهيم عليه السلام، وأن من رغب عن هذه الملة فإنه قد وقع في السفه، وأن محاجة أهل الكتاب ودعواهم على المسلمين في كثير من الأمور في نسبتهم إبراهيم إليهم، ودعواهم أنهم أتباعه وأنه حجة على العرب، وأن النبوة لا تكون إلا في ذرية إسحاق ونحو ذلك من الأمور التي ادعوها، فإن الله عز وجل قد أقام عليهم الحجة بأن ما يقولونه ليس عندهم فيه سند؛ لأن سندهم التوراة والإنجيل، والتوراة والإنجيل إنما أنزلت بعد إبراهيم عليه السلام، وليست ملغية للحنيفية؛ لأن التوراة والإنجيل كانت في بني إسرائيل، وملة إبراهيم كانت في قومه عامة، منهم أبناؤه هؤلاء وغيرهم، وكانت في بني إسرائيل وبني إسماعيل، وملة إبراهيم عامة وشاملة، وليس فيها حجة لبني إسرائيل -اليهود والنصارى- ولذلك فإن الله عز وجل جعل ملة إبراهيم هي ملة لجميع أهل التوحيد من بعده: {وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ} [العنكبوت:27]، ومن ذلك ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإن محمداً صلى الله عليه وسلم من ذرية إبراهيم، وكتابه في ذرية إبراهيم القرآن، إنما هو في ذرية إبراهيم، فليس لهم حجة ولا أن يحتكروا ديانة إبراهيم أو يزعموا أنها لهم أو أنها فيهم، أو غير ذلك مما ادعوه، فمن فضل الإسلام أنه جمع بين خصائص ملة إبراهيم التي من ضمنها الديانات التي جاءت بعدهم، وأيضاً من خصائص الإسلام أنه جاء لجميع البشرية.