الآية الأولى: استنبط الشيخ معاني كثيرة نأخذ منها ثلاث فوائد في فضل الإسلام: الفائدة الأولى: كمال هذا الدين، بحيث لا يحتاج الناس إلى مصادر أخرى ولا إلى ابتداع أمور ليثبتوها من عند أنفسهم؛ لأن الله عز وجل قال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة:3]، وهذا من أبرز خصائص الدين وفضل هذا الدين، والذي هو الكمال المطلق الذي لا يعتريه نقص إلى قيام الساعة، بخلاف الأديان السابقة فقد اعتراها النقص بتقصير أهلها، وبأن الله لم يتكفل بحفظها، فوقع فيها التغيير والتبديل ثم النسخ.
الفائدة الثانية: يستنبط من قوله تعالى: {وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} [المائدة:3]، أن الله عز وجل أتم بهذا الدين النعمة على العباد، وهذا من أبرز فضائل الدين، وهو أن الله أنعم على هذه الأمة، وأتم به النعمة، فتحقق بالإسلام تمام النعمة من الله عز وجل على هذه الأمة.
الفائدة الثالثة: أن من فضل الإسلام أنه يحقق رضا الله عز وجل، فالله رضيه لعباده، وأي شيء أعظم من دين رضيه الله لعباده؟ قال الله تعالى: {وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} [المائدة:3].
هذه ثلاث فوائد في فضل الإسلام في آية واحدة، مع عدم التعمّق والتطويل، ولو طوّلنا لأخذنا فوائد كثيرة، لا شك أن الشيخ يشير إليها؛ لأن كونه أدرج هذه الآية في فضل الإسلام دليل ظاهر على أنه أدرك بفقهه وبعمق فهمه رحمه الله هذه المعاني.
وفي الآية الثانية استنبط فوائد في فضل الإسلام: الأولى: أن هذا الدين هو الذي لا يقبل الله من الناس سواه، قال عز وجل: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ} [يونس:104] فقوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي} [يونس:104] دل على أن هذا الدين هو الذي يقبله الله، وأنه الذي لا شك فيه، ولا يمكن أن يتطرق الشك إلى شيء من هذا الدين.
الثانية: أن من فضل الإسلام أنه يحقق التوحيد الخالص، قال الله تعالى: {فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [يونس:104] فهو يحقق التوحيد الخالص، وينفي الشرك، ويحقق العبادة الحقة والتوحيد والدين الذي رضيه الله للعباد، وهذا كله من فضائل هذا الدين.
وفي الآية الثالثة ذكر عدة فوائد: الأولى: أن من فضل هذا الإسلام أنه يتحقق به التقوى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ} [الحديد:28]، ويتحقق به الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم، وهذه من غايات الدين ومن أسباب السعادة في الدنيا والفلاح في الآخرة، فهي فضائل لهذا الدين.
الثانية: أن الله عز وجل وعد هذه الأمة بمضاعفة الأجر: {يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ} [الحديد:28].
الثالثة: أن الله ينوّر به للعبد الطريق المستقيم، فينوّر به القلوب وينوّر به أحوال العبد في الدنيا والآخرة، حتى يمشي على مثل البيضاء في الوضوح والبيان لما تكفّل الله به من حفظه لهذا الدين وبيانه، وإقامة الحجة فيه، فلذلك فُضل هذا الدين بكونه نوراً يمشي به العباد {وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ} [الحديد:28]، وهو هذا الدين.
الرابعة: أن الله عز وجل يحقق لمن أسلم وحقق إسلامه المغفرة لذنوبه {وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الحديد:28].
هذه معان عظيمة مما يُستنبط من هذه الآيات في فضل الإسلام، ومسألة فضل الإسلام لها عدة اعتبارات، فضل الإسلام من حيث ذاته فالإسلام بذاته فاضل؛ لأن الله عز وجل جعله خيار الأديان وخاتم الأديان وأفضل الأديان، وناسخاً للأديان ومهيمناً عليها، ثم فضل الإسلام بفضائل هذه الأمة بما منحه الله عز وجل لهذه الأمة من الفضائل، ثم فضل الإسلام على الأفراد أيضاً، فالإسلام هو طريق النجاة، وهو طريق السعادة في الدنيا والنجاة في الآخرة، وليس المقصود بفضل الإسلام خصائصه فقط، بل المقصود الخصائص والسمات والميزات التي تميزه عن غيره، ثم الفضائل والأجور والخصائص التي يتميز بها أتباعه، ثم النتائج التي وعدها الله للمستمسكين بالإسلام في الدنيا والآخرة، ففضله في نفسه، وفضله على غيره، والفضل الذي يحصل به للعباد كل ذلك يدخل في معنى فضل الإسلام.