ثم ذكر في الآية الأخرى الدلالة على عدم جواز الافتراق، وهو خروج من مقتضى أن تكون في الدين، قوله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} [الأنعام:159]، فالتفرق في الدين الذي عليه أهل الأهواء ينافي الدخول في الإسلام كله؛ لأن الإسلام مقتضاه لزوم الحق ولزوم الجماعة، والذين فرقوا دينهم لا شك أنهم حادوا عن الحق وخرجوا عن الجماعة، وكذلك قوله عز وجل: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} [آل عمران:106]، فالذين اسودت وجوههم هم أهل الأهواء كما ذكر ابن عباس، وهو مقتضى ظاهر الآية.
فهؤلاء ما دخلوا في الإسلام كله، بل لجئوا إلى البدع والأهواء فخرجوا من مقتضى هذا الأصل.
ثم ذكر حديث الافتراق وهو مثل هذه الآيات، لكن فيه بيان أن هناك من يخرج عن مقتضى كمال الإسلام، فيخل بالمنهج السليم، فإنه يكون خرج من مقتضى الإذعان الكامل وفارق السنة والجماعة، وإن لم يخرج من مسمى الإسلام.
وعلى هذا فإن الذين خالفوا أصل الدخول في الإسلام كله هم على نوعين: منهم من خرج بمخالفته، وهم من ارتكب ما يوجب الردة.
والنوع الثاني: من خرج عن مقتضى السنة، لكنه ما دخل في الإسلام وهم أهل الأهواء والبدع الذين فارقوا السنة والجماعة مفارقة تقتضي خروجهم من السنة.