أساس الخير

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أساس كل خير: أن تعلم أن ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن].

فما شاء الله سيكون، والذي لا يشاؤه ربنا لن يحصل.

قال: [فتتيقن حينئذ أن الحسنات من نعمه فتشكره عليها].

فالحسنات من نعم الله على العبد، وليس لأنه يعمل الخير، وإنما لأن الله يتفضل عليه بها، وهو الذي ساقه إلى الخير أصلاً، وهو الذي يثيبه عليها.

قال: [وتتضرع إليه ألا يقطعها عنك].

ما أجمل أن تتوالى الحسنات والرصيد يكثر.

فالأمة ما زال فيها خير رغم ما أرى من صور سيئة، وما زال عندي تفاؤل أن المسلمين فيهم خير، وهذا مصداق حديث الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم عندما قال: (أمتي كالغيث لا يدرى الخير في أولها أم في آخرها).

جاءني رجل بعد عصر الجمعة الماضية، وأخبرني أنه رأى في نومه كأنه عندي في المسجد، وبعد ذلك رأى أنه واقف على المنبر ويتحدث عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وبعد أن نزل من المنبر، إذا بالرسول صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس، فاعتدل بعد أن انتهت الصلاة وسلم على هذا الرائي، وقال له: لحضورك مجالس العلم وصدقك فيها ستحل عندنا الليلة، فالرجل خاف، وأتى إلي مرعوباً وقال: ماذا يعني بقوله صلى الله عليه وسلم: ستحل عندنا الليلة؟ قلت له: إنك بفضل الله عز وجل أصبحت مطالباً بأن تكون الآخرة هي أكبر همك؛ لأن المسلم عندما يترقى في درجات الإيمان والتقوى يكون بهذا المنطق، وبعد ذلك قال لي: هل سأموت؟ قلت له: لا إله إلا الله، أنا سأموت وأنت ستموت وكلنا سنموت يوماً من الأيام، ولكن لا أحد يدري متى يموت! وأنت يجب عليك أن تنوي الخير.

فقال لي: يوجد شيء ينغص علي حياتي، فقلت له: ما هذا الشيء؟ قال: وصية أريد أن أعرضها عليك، فعرضها علي، فقلت له: لا، عدل هذه الوصية وأخبرني أنك أنهيتها، فاتصل لي وقال: لقد عملت مثلما قلت لي وأنهيت هذه الوصية، وبينما أنا آتٍ لصلاة العشاء بلغت أن الرجل مات قبل أمس.

فهذا إنسان يعطيه الله إشارات أنه قادم على الله؛ لأن الله عندما يريد بابن آدم خيراً يبعث له في آخر أيامه ملكاً يأخذ بيده.

قال: [وتتضرع إليه ألا يقطعها عنك].

يعني: مجلس مثل هذا المجلس، لا بد أن ندعو الله سبحانه وتعالى طالما نحن على قيد الحياة ألا يقطعه عنا؛ لأنه نبع خير.

قال: [وأن السيئات من خذلانه وعقوبته، فتبتهل إليه أن يحول بينك وبينها].

فالحسنات من نعمه، والسيئات من خذلان الله للعبد، فالله عندما يخذل عبده يسلط عليه الشيطان ونفسه، قال أبو بكر الصديق: إني بليت بأربع ما سلطوا إلا لجلب مشقتي وعنائي إبليس والدنيا ونفسي والهوى كيف الخلاص وكلهم أعدائي إذا كان أبو بكر الصديق يقول: إبليس والدنيا ونفسي والهوى! فكيف بنا نحن؟! فعندما يوفق الله العبد يجعله ينتصر على هؤلاء الأربعة يخذلهم له، وعندما يخذل الله العبد بعمله السيئ -والعياذ بالله- يسلط عليه الدنيا والنفس والشيطان والهوى، فينتصرون عليه.

إذاً: الحسنات من نعم الله والسيئات من خذلان الله، فالواجب على العبد أن يدعو ربه أن يباعد بينه وبين الخذلان والعياذ بالله.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ولا يكلك في فعل الحسنات وترك السيئات إلى نفسك].

بعضهم يقول: أنا أسبح سبعمائة ألف مرة، وأعمل كذا وكذا، وليست القضية هكذا، ولكن القضية أنك تسأل الله أن يتقبل، ولذلك سيدنا سليمان كان طائراً يوماً ببساط الريح، وكان هناك فلاح يفلح في الأرض، وسمي الفلاح فلاحاً؛ لأنه يفلح الأرض، وللأسف الشديد عندما يكون هناك جاهل يريد أن يشتم شخصاً يقول له: أنت فلاح!، يا ليتنا كنا فلاحين، نزرع أرضنا لكن حكومة الثورة المباركة والانقلاب المبارك سنة 1952م، قالت: نحن دولة صناعية لا زراعية، اجلس أنت مع الصناعة، فمصر ليست للصناعة ولا للزراعة، ولكن نحن ساءت حالتنا منذ أن اضطهدنا الزراعيين، وحتى الآن لا يستطيعون أن يعرفوا من هو الفلاح ومن هو العامي، وربما لن نعرفه حتى نموت، وربما نعرفه في الآخرة إن شاء الله.

فبينما الفلاح كان يحرث الأرض فوجد شيئاً يظلله فرفع رأسه، فإذا به بساط سيدنا سليمان، وذلك في وقت لم تكن فيه طائرات ولا صواريخ، ولم يكن هناك شيء يطير إلا الطيور، فالهواء سخره الله لسيدنا سليمان، والريح غدوها شهر ورواحها شهر، فتخيل لو أن سيدنا سليمان الآن موجود في القاهرة، ودرجة الحرارة تنخفض لعشر درجات، فنقول له: يا نبي الله سليمان! القاهرة باردة في الليل، فيقول: أيتها الريح التي في أسوان ادخلي على القاهرة، فتدخل الريح إلى القاهرة ويصبح الجو دافئاً، ويأتي إلى منطقة أخرى حارة فيقول: أيتها الريح التي في شمال سويسرا أدخلي على هذه المنطقة الحارة، فهذا ملك عظيم أعطاه الله سيدنا سليمان، ريح غدوها شهر ورواحها شهر.

قال سليمان عليه السلام: أيها الفلاح الفقير؛ لتسبيحة واحدة أو تحميدة واحدة أو تكبيرة واحدة أو تهليلة واحدة، خلف هذا المحراث خير لك من ملك آل داود؛ لأن ملك داود سيزول، لكن التسبيح والتحميد والتكبير والتهليل سيبقى معك في كتاب الحسنات إلى يوم القيامة.

يا إخواني! يوم القيامة يبحث المرء عن الحسنة بكل الطرق، وأفضل ما يوضع في الميزان يوم القيامة خلق حسن، فعامل الناس بخلق حسن، اللهم حسن أخلاقنا يا رب! كما حسنت خلقتنا يا أكرم الأكرمين! إذاً: يجب أن تدعو الله أن يحول بينك وبين المعاصي، وألا يكلك في فعل الحسنات وترك السيئات إلى النفس.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [وقد أجمع العارفون على أن كل خير فأصله بتوفيق الله للعبد] أي: أن الله إذا وفق العبد فسوف يعمل خيراً.

قال: [وكل شر فأصله خذلانه لعبده، وأجمعوا أن التوفيق ألا يكلك الله إلى نفسك، والخذلان أن يخلي بينك وبين نفسك].

ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين ولا أقل من ذلك، وأصلح لي شأني كله، فإن وكلتني إليك وكلتني إلى عزة وقوة، وإن وكلتني إلى نفسي وكلتني إلى ضعف وشهوة، ولكن لا إله إلا أنت).

إذاً: عندما يكل الله العبد له يكله إلى عزة وقوة، وعندما يكله إلى نفسه يوكله إلى نفس ضعيفة وأمارة بالسوء، ودائماً تحض الإنسان على الشر، والعياذ بالله رب العالمين.

قال: [فإذا كان كل خير فأصله التوفيق، وهو بيد الله لا بيد العبد، ومفتاحه الدعاء والافتقار وصدق اللجأ والرغبة والرهبة إليه، فمتى أعطي العبد هذا المفتاح فقد أراد أن يفتح له، ومتى أضله عن المفتاح بقي باب الخير مرتجاً دونه].

إذاً: لو أعطاك الله مفتاح الدعاء والافتقار وصدق اللجوء إليه والرغبة إليه والرهبة منه، فلقد أعطاك مفتاح التوفيق، فابحث أنت عن المفتاح الذي يحمل الرءوس الخمسة: الدعاء والافتقار، يقول الله تعالى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ} [آل عمران:123] أي: أذلة لله، ولذلك قبض الحجاج على ابن أخ لأحد الصالحين، فبحث فوجد ملابس قديمة لعبده فلبسها، فقيل له: ما هذا الذي تلبسه؟ قال: أقوم أصلي لله وأدعوه.

فما دعا العبد ربه بصدق إلا استجاب الله له.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015