يقول رحمه الله تعالى: فأخرجوه ثاني اثنين، فدخل وذقنه تمس قربوس سرجه خضوعاً وذلاً لمن ألبسه ثوب هذا العز الذي رفعت إليه فيه الخليقة رءوسها ومدت إليه الملوك أعناقها، فدخل مكة مالكاً مؤيداً منصوراً، وعلا كعب بلال فوق الكعبة بعد أن كان يجر في الرمضاء على جمر الفتنة، فنشر بزاً طوى الخوف من يوم قوله: أحد أحد، ورفع صوته بالأذان فأجابته القبائل من كل ناحية فأقبلوا يؤمون الصوب فدخلوا في دين الله أفواجاً، وكانوا قبل ذلك يأتون آحاداً، كما قال تعالى: {وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا} [النصر:2].
ويروى: أن الحجاج قال يوماً لمن معه: ائتوا بأعرابي يأكل معي فجاء الأعرابي، فقال له: تعال فاجلس لتأكل معي، فقال له: دعاني من هو خير منك، قال له: من؟ قال: دعاني ربي إلى الصيام فصمت، فأنا صائم اليوم.
قال له: كل اليوم وصم غداً، قال: هل يضمن لي الأمير أن أعيش إلى الغد، فقال له: إنه طعام طيب، فقال: والله ما طيبه خبازك ولا عجانك ولا طباخك، ولكن طيبته العافية، فقال له: إن اليوم شديد الحرارة، فقال: لقد صمت ليوم هو أشد منه حراً، قال: أتحفظ شيئاً من القرآن يا أعرابي؟ قال له: نعم، قال له: اقرأ، قال له: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر:1] ورأيت الناس يخرجون من دين الله أفواجاً.
فقال له: ويحك، يدخلون في دين الله.
فقال: كان ذلك في عهد النبي وعهد صحابته، أما في عهدكم أنتم فيخرجون من دين الله.
وهذه كلمة حق عند سلطان جائر.