قال ابن القيم رحمه الله: [إذا خرجت من عدوك لفظة سفه فلا تلحقها بمثلها].
قال الشافعي رحمه الله: يبارزني السفيه بكل قبح فأكره أن أكون له مجيباً يزيد سفاهة فأزيد حلماً كعود زاده الإحراق طيباً أما نحن اليوم فقد أصبحنا نصنع كما يقال: يقول لي كلمة أرد عليه كلمتين، وإن قال كلمتين أرد عليه خمس كلمات، والأمل من مجالس العلم أن ترقى بنا وبأخلاقنا.
ثم يبين ابن القيم رحمه الله قبح الخصام فيقول: وكأن الخصام له نسل، وإنما قال ذلك؛ لأن الرجل بذيء اللسان يكون ابنه مثله وحفيده كذلك، على العكس ممن يحرص أن يكون كلامه موافقاً للشرع، إما ذكر وإما فتيا، كما أن من يحرص على ذلك تجده دقيقاً بألفاظه، حذراً من مغبة المعارضة لنص من كتاب أو سنة، فهذا أبو هريرة أتاه فلم يفهم الرجل، فكرر قال له يا أبا هريرة! أأصلي بعد صلاة الصبح؟ يريد: أنا صليت الصبح أأصلي سنة أخرى بعدها، فأعاد عليه صل بعد شروق الشمس، ففهم الرجل، ولكنه تعجب من الجواب فسئل أبو هريرة: لم لم تقل له: لا تصل؟ قال: أخشى أن أدخل تحت دائرة قول الله تعالى {أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْدًا إِذَا صَلَّى} [العلق:9 - 10].
وأخذ ابن القيم رحمه الله يبين أن الخصام دليل الجهل فقال: [حميتك لنفسك أثر الجهل بها] والمعنى: حين تدافع عن نفسك، فدفاعك ثمرة من ثمرات الجهل الذي عندك ثم قال: [فلو عرفتها حق معرفتها أعنت الخصم عليها]، أي أنك لو عرفت حقيقة نفسك الأمارة بالسوء لتركت من ينقدك يزيد في نقده، فلو عرفت الحقيقة لأحجمت عن الانتصار لها، إذ النفس لا تنتصر إلا للشر.
ثم يقول ذاماً الغضب: [إذا اقتدحت نار الانتقام من نار الغضب -أي: اشتعلت- ابتدأت بإحراق القادح].
فالانتقام حين يأتي نتيجة خلاف أو شجار يحدث بسببه عند الرجل غضب ومن ثم يثمر انتقاماً، فكأن نار الغضب أشعلت شعلة الانتقام، فإذا ما أشعلتها ابتدأت بإحراق القادح، ومثل ذلك كما تقدم كمثل الحسود فالحسود كرجل غضبان أخذ طوبة فضربها على حجر فانكسر جزء منها واتجه إلى الحائط ثم عاد إلى جوار الرجل، فأخذها ورمى الحائط فعادت إلى عينه، فازداد غيظه، فأخذ الحجر مرة أخرى ورمى الحائط وكل مرة يعود الحجر عليه بالأذى، فلا شفى غضبه، ولا سلم الضرر.
يصدق فيه قول الشاعر: كالنار تأكل نفسها إن لم تجد ما تأكله فالحسود غالباً معرض للأمراض من سكر وضغط وغيرها.