عاقبة الإعراض عن تحكيم الكتاب والسنة

لما أعرض الناس عن تحكيم الكتاب والسنة والمحاكمة إليهما، واعتقدوا عدم الاكتفاء بهما، وعدلوا إلى الآراء والقياس والاستحسان وأقوال الشيوخ، عرض لهم من ذلك فساد في فطرهم، وظلمة في قلوبهم، وكدر في أفهامهم، ومحق في عقولهم، وعمتهم هذه الأمور وغلبت عليهم حتى ربي عليها الصغير وهرم عليها الكبير، فجاءتهم دولة أخرى قامت فيها البدعة مقام السنة، والعقل مقام النص، والهوى مقام الاتباع، والضلال مقام الهدى، والمنكر مقام المعروف، والجهل مقام العلم، والرياء مقام الإخلاص، والباطل مقام الحق، والكذب مقام الصدق، والمداهنة مقام النصيحة، والظلم مقام العدل، فصارت الدولة والغلبة لهذه الأمور وأهلها هم المشار إليهم، وكانت قبل ذلك بأضدادها، وكان أهلهم هم المشار إليهم.

فإذا رأيت دولة هذه الأمور قد أقبلت، وراياتها قد نصبت، وجيوشها قد ركبت؛ فبطن الأرض -والله- خير من ظهرها، وفي الحديث: (سوف يأتي زمان على أمتي يمر فيه الرجل بقبر أخيه فيقول: يا ليتني كنت مكانه).

فحينئذٍ تكون شعف الجبال خيراً من السهول، ومخالطة الوحوش أسلم من مخالطة الناس.

اقشعرت الأرض، وأظلمت السماء، وظهر الفساد في البر والبحر من ظلم الفجرة، وذهبت البركات، وقلت الخيرات، وهزلت الوحوش، وتكدرت الحياة من فسق الظلمة، وبكى ضوء النهار وظلمة الليل من الأعمال الخبيثة والأفعال الفظيعة، وشكى الكرام الكاتبون والمعقبات إلى ربهم كثرة الفواحش وغلبة المنكرات والخبائث، وهذا -والله- منذر بسيل عذاب قد انعقد غمامه، ومؤذن بليل بلاء قد ادلهم ظلامه، فاعدلوا عن طريقكم هذا بتوبة نصوح ما دامت التوبة ممكنة وبابها مفتوحاً، وكأنكم بالباب وقد أغلق، وبالرهن وقد غلق، وبالجناح وقد علق، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.

فاشتر نفسك اليوم، فالسوق قائمة والثمن موجود، والبضائع رخيصة، وذلك بصلة رحم، وبصدقة، وبزكاة، فأبواب الخير مفتوحة، وسيأتي على تلك السوق والبضائع يوم لا تصل فيه إلى قليل أو كثير منها، ذلك يوم التغابن، يوم يعض الظالم على يديه، ويقول الكافر: يا ليتني كنت تراباً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015