إن مصابيح القلوب الطاهرة في أصل الفطرة منيرة فالقلوب التي لا تعرف غشاً ولا نفاقاً ولا حسداً ولا بغضاء، فأصل الفطرة منيرة قبل الشرائع، {يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ} [النور:35].
يقال: إن قس بن ساعدة بليغ العرب كان من الموحدين، ولكنه لم ير الرسول صلى الله عليه وسلم.
وكذلك النجاشي، فقد كان موحداً ولم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصلى عليه رسول الله صلاة الغائب، وترحم عليه.
وكفر ابن أبي وقد صلى خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو في النار يوم القيامة، وهو القائل: {لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ} [المنافقون:8].
يعني بالذليل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحاشاه صلى الله عليه وسلم، وفي غزوة أحد خذل المسلمين حين أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم برأي الشباب، وهو الذي تولى كبر الفرية في قضية اتهام السيدة عائشة أم المؤمنين ورميها بالزنا لما رجعت مع صفوان بن المعطل عقب غزوة بني المصطلق، فقال: هذه أمكم قد زنت مع فلان.
وقد جاء ابنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستأذنه في قتله، فقال: لا، لكي لا يقال: إن محمداً يقتل أصحابه.
فلما مات وبلغ الرسول صلى الله عليه وسلم موته قام ليصلي عليه، فوقف عمر فأخذ بثوبه وقال: أتصلي عليه وقد قال كذا وكذا يوم كذا وكذا؟ فقال له: (إن ربي قد خيرني، وإني لو أعلم أنني لو استغفرت له أكثر من السبعين غفر له لاستغفرت).
ولما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه نزل جبريل وهو عند المقبرة بقوله تعالى: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} [التوبة:84].
فأعلم النبي صلى الله عليه وسلم حذيفة بن اليمان أمين سر رسول صلى الله عليه وسلم بأسماء سبعة عشر منافقاً في المدينة، فلو أن واحداً منهم مات بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن حذيفة يقول للمتولي مكان الرسول: لا تصل عليه؛ لأن هذا من السبعة عشر، ولم يكن أحد يعرف أحداً من السبعة عشر أبداً إلا حين يموت فيترك حذيفة الصلاة عليه.
ولما تولى عمر بن الخطاب إمارة المؤمنين قال لـ حذيفة: أستحلفك بالله، أسماني لك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! فـ عمر بن الخطاب يخاف أن يكون من المنافقين، فهو يتهم نفسه بالنفاق، ونحن نسأل الله السلامة.
فهذا عمر الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو كان بعدي نبي لكان عمر)، وقال: (لولا أنت لهلكنا يا ابن الخطاب)، وقال: (كان فيمن قبلكم محدثون، فإن يكن في أمتي فهو عمر).
وأخبر صلى الله عليه وسلم بأنه دخل الجنة فرأى قصراً وجارية تتوضأ على نهر، فقال: لمن القصر؟ فقيل: لـ عمر، فأراد دخول القصر فتذكر غيرة عمر فلم يدخل.
فمصاحبة عبد الله بن أبي لرسول الله صلى الله عليه وسلم يؤخذ منها ألا تغتر بصحبة الصالحين، فلقد صحب عبد الله بن أبي ابن سلول رسول الله صلى الله عليه وسلم وما انتفع بصحبته.
ولا تغتر بكثرة العبادة، فما كان امرؤ أعبد من إبليس، ولا تغتر بالعلم، فما كان امرؤ أعلم من بلعام بن باعوراء الذي ذكر في القرآن الكريم في قوله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ} [الأعراف:175 - 176].
فقد كان يعبد ربنا بصدق، فلما عصى الله عز وجل وأخلد إلى الأرض كان من الغاوين، فكن مع الله يخف الله المخلوقات منك.