قال المؤلف رحمه الله تعالى: [من تطاول تعظماً حطه الله، ومن تواضع تخشعاً رفعه الله].
فـ قارون تعالى على قومه وقال: {إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي} [القصص:78]، فقال الله: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ} [القصص:81].
قال: [وإن للملك لمة، وللشيطان لمة]، يعني: الملك له معك جولة، والشيطان كذلك له جولة.
قال: [فلمة الملك إيعاد بالخير وتصديق بالحق، فإذا رأيتم ذلك فاحمدوا الله].
يعني: عندما تلقى الطمأنينة في نفسك، وحضورك لمجلس العلم، وتريد أن تفتح المصحف لا تغلقه، وتريد أن تصلي باستمرار، وتريد أن تعمل خيراً وتريد أن تصل الرحم، فكل هذه ساعة لمة الملك.
قال: [ولمة الشيطان إيعاد بالشر وتكذيب بالحق، فإذا رأيتم ذلك فتعوذوا بالله.
إن الناس قد أحسنوا القول، فمن وافق قوله فعله فذاك الذي أصاب حظه، ومن خالف قوله فعله فذاك إنما يوبخ نفسه.
لا ألفين -يعني: لا أجدن- أحدكم جيفة ليل قطرب نهار].
يعني: نائماً مثل الجيفة المنتنة، والقطرب: ذكر النحل، يعني: في النهار مثل النحلة ذاهباً للعمل وآتياً منه، لكن يأتي في الليل فيقوم بين يدي الله سبحانه ولا ينام، قال تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [السجدة:16]، وقال تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ} [المزمل:20] وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم أغلب أوقاته صلاة، فجربوا ركعتين في جوف الليل والناس نائمون ولا أريد إيحاءات ولا كلمات تشير إلى أن بعضاً منكم يقوم الليل؛ لأن هذا سر بين العبد وربه.
وكل واحد منا له باب يدخل به على الله، فمنا من بابه في الصيام مثلاً، والآخر بابه كثرة قراءة القرآن، والآخر بابه الصدقات، وذاك بابه صلة الرحم، وهذا بابه حضور مجالس العلم، وهذا بابه المذلة لله، وهذا بابه كثرة الذكر، وهذا بابه قيام الليل، وهذا بابه العطف على الأرملة واليتامى، فكل واحد له باب.
قال: [من لم تأمره الصلاة بالمعروف وتنهه عن المنكر لم يزدد بها من الله إلا بعداً].
إن الصلاة قد تقرب صاحبها إلى الله وقد تبعده من الله، والصلاة التي تقرب إلى الله هي التي تخلو من الكذب والغيبة والنميمة وقلة اليقين، فالصلاة عبارة عن يقين بالله عز وجل بأن أكون بما في يد الله أكثر ثقة مني بما في يدي، إذاً: يكون عند العبد توكل على الله وصدق ويقين، ويعرف أن الله سبحانه وتعالى سوف يرزقه في الوقت الذي يريد وفي المكان الذي يريد.
قال: [ومن أنزل همه بالله زال، ومن أنزل همه بالناس زاد].
أي: من أنزل همه بالله زال باللام، ومن أنزل همه بالناس زاد بالدال.
قال: [من اليقين ألا ترضي الناس بسخط الله].
أي: لا ترض الناس وتغضب الله، والذي يعد فرحاً لابنه في الفندق فإنه يغضب الله سبحانه.
قال: [ولا تحمد أحداً على رزق الله] أي: عندما يرزقك الله لا تفكر أن هذا شخص أتى به إليك.
قال شقيق البلخي لحاكم أسوان: أين كنت؟ قال: كنت عند عالم في الشام يقول كلاماً جيداً، قال: أخبرني ماذا قال؟ قال: لو كانت السماء من فضة والأرض من حديد، لا السماء تمطر قطرة من مطر ولا الأرض تنبت نبتة من زرع، وفيما بين المشرق والمغرب عيال ما حملت هم رزقهم، لعلمي أن الله سوف يرزقهم، فماذا قال له شقيق: لا تجلس معه مرة أخرى إن هذا عالم سوء، قال له: كيف ذلك؟ قال له: كيف يجري ذكر الرزق على لسانه أولم يقرأ: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} [الذاريات:22]، يعني: مسألة ذكر الرزق ليست جيدة، لأنها قاعدة أننا مادمنا موجودين فرزقنا جار، فهو قانون بديهي مثل ألف وباء، ولو فر ابن آدم من الرزق كما يفر من الموت لأدركه الرزق كما يدركه الموت، ولو ركب ابن آدم الريح ليلحق برزقه لركب الرزق البرق فسبقه ثم دخل في فمه، ولو رجا الإنسان الجنة كما يرجو الغنى لفاز بهما جميعاً، ولو خاف من النار مخافته من الفقر لنجا منهما جميعاً، ولو خاف من الخالق كما يخاف من المخلوق لسعد في الدنيا والآخرة.
ولا يعرف المؤمن إلا بالعقيدة، فما حالة المسلمين في هذا الزمان إلا لأن العقيدة ضعيفة، فتسمع الشخص يقول: نخاف من الناس ومن كلامهم فإنهم يستهزئون منا.
إن الذي يريد أن يستهزئ فليستهزئ، فإن هذا كله بثوابه إن شاء الله طالما أنك ترضي الله عز وجل، اللهم اجعلنا من الذين يحاولون أن يرضوك يا رب العباد وترضى عنهم يا أكرم الأكرمين! قال: [ولا تلم أحداً على ما لم يؤتك الله].
لو أنه جيء لك ببعثة، فإذا بالمدير الذي أنت تتبعه كان سبباً في أنك لم تسافر، فهل تقول: هو الذي لم يجعلني أسافر، أو أن الله هو الذي لم يأذن؟ فإذا أخذت في نفسك عليه؛ فإن ذلك لضعف يقينك، ولو كان عندك قوة يقين لرضيت بأن قدر الله يجري مجراه، كذلك لو أن صبياً يريد أن يقطع الشارع فصدمته سيارة، وانكسرت رجله، وإذا لم تصدمه السيارة، هل كانت رجله ستنكسر؟ نعم كانت ستنكسر بإرادة الله وفي نفس الوقت.
كذلك لو أن الولد مات في حادث سيارة لو أن السيارة لم تصدمه هل كان سيموت أم لا؟ نعم، كان سيموت بقدر الله.
وعلى سبيل المثال: لو أن هناك رجلاً جالساً في المطار ومنتظراً ميعاد الطائرة، وهو رجل أعمال، وأخرج الشنطة ليتفقد بعض الأشياء، فاندمج في حساباته وإذا بالطائرة تطير فغضب وحزن؛ لأنه كان عنده اجتماع في روما أو في أي مكان، فمكث قليلاً مشغولاً، حتى دخل المطار وجلس بداخله وأكمل إجراءاته والطائرة فاتته، وقدر الله لهذه الطائرة أن سقطت عندما فارقت المطار بقليل ومات من فيها، وذلك الرجل مازال جالساً، فأتى شخص آخر يهزه فإذا به وجده قد مات، فقد قدر أن يموت معهم في نفس الوقت ولكن ليس في الطائرة، فعندما يأخذونه وهو ميت يقولون: الحمد لله أننا وجدنا جثته، اللهم الطف بنا فيما جرت به المقادير.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإن رزق الله لا يسوقه حرص حريص ولا يرده كراهة كاره] عندما يريد شخص أن يجلب لك مصلحة أو مناقصة، وأنت تكره ذلك ولا تريده، فوالله لو كان ذلك من نصيبك فإن الدنيا كلها لو وقفت ضدك لا تستطيع أبداً أن تمنع شيئاً قد كتبه الله لك.
قال: [وإن الله بقسطه] يعني: بعدله، وحلمه.
[جعل الروح والفرح في اليقين والرضا].
والروح: الراحة.
[وجعل الهم والحزن في الشك والسخط].
قال: [ما دمت في صلاة فأنت تقرع باب الملك، ومن يقرع باب الملك يفتح له].
قال: [إني لأحسب الرجل ينسى العلم كان يعلمه بالخطيئة يعملها]؛ لأن الذنوب تنسي العلم وتضيع النعم.
قال: [كونوا ينابيع العلم مصابيح الهدى أحلاس البيوت سرج الليل جدد القلوب] يعني: قلوبكم جديدة بالإيمان باستمرار.
قال: [خلقان الثياب، تعرفون في السماء وتخفون على أهل الأرض.
إن للقلوب شهوة وإدباراً فاغتنموها عند شهوتها وإقبالها ودعوها عند فترتها وإدبارها].
عندما تلقى قلبك مقبلاً على الطاعة فأكثر من الطاعات، وعندما تلقى القلوب كلت وملت وتعبت ولا تريد فاتركها.
قال: [إنكم ترون الكافر من أصح الناس جسماً وأمرضه قلباً، وتلقون المؤمن من أصح الناس قلباً وأمرضه جسماً، وأيم الله -يعني: والله- لو مرضت قلوبكم وصحت أجسامكم لكنتم أهون على الله من الجعلان] والجعلان: جمع جعل، أي: دويبة.