يقول ابن عطاء الله: تحقق بأوصافك يمنحك أوصافه.
يعني: تحقق بذلَّك يمنحك من عزه، تحقق بفقرك يعطك من غناه، تحقق بضعفك يعطك من قوته، تحقق بأنك تائه يعطك من هداه، فإن الله يرشد الحائرين الضالين.
فإذا أقنعت نفسك أنك ضعيف فهو يقويك، أو فقير فهو يغنيك، أو تائه فهو سيرشدك وهكذا.
وكان ابن عطاء الله دائماً يقول: يا رب! أنا الجهول في علمي فكيف لا أكون جهولاً في جهلي، أنا الفقير في غناي، فكيف لا أكون فقيراً في فقري.
يعني: برغم العلم الذي عندي فأنا جاهل، فإذا كنت جاهلاً أصلاً فماذا سأكون؟ وأنا رغم غناي فأنا فقير، كما قال موسى: {رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} [القصص:24].
قال أهل العلم: إن لله صفات جلال وصفات جمال.
فعلى المسلم أن يتصف بصفات الجمال مثل: الشكر: شكور، والرحمة: رحيم، والمغفرة: غفور، والود: ودود، والصبر: صبور.
أما صفات الجلال فلا يتصف بها أبداً، مثل: القهار، المتكبر، المعز، المذل، المانع، فلا بد للإنسان أن ينقهر ويخضع لهذا الصفات ولا يتصف بها، لأن الله هو القهار والمخلوق ليس قهاراً، وهو الجبار والمخلوق ليس جباراً.
ولذلك فإن المسلم يتصف بصفات الله الجمالية لا بصفاته الجلالية.
وإذا زرت المدينة المنورة فإنك تجد حلاوة المدينة وحلاوة المسجد النبوي الشريف، وتشعر بصفات الله الجمالية: الرءوف الرحيم، وعندما تذهب إلى الكعبة تجد رهبة، لأن هذا بيت الله القهار، بيت الجبار، وهذه من صفات الجلال.
فإذا تحققت بصفات الجمال، نصرك الله بصفات الجلال.
فإذا كنت رحيماً وودوداً وشكوراً وصبوراً، فالله يعطيك من أوصافه الجلالية، ويجعلك تقهر العدو وتنتصر عليه وتغلبه.
هكذا العبد يتخلق بأخلاق الله في صفات الجمال، يمنحه الله عز وجل برحمته من صفات الجلال.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [إنما هما اثنتان: الهدي والكلام، فأفضل الكلام كلام الله، وأفضل الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة].
والبدعة تكون في العبادة لا في العادة، مثل اللباس الذي نلبسه يعتبر عادة، والأكل عادة، لكن بإمكانك أن تقلب الأكل أو اللبس إلى عبادة.
فمثلاً: الذي يلبس البنطال أو الثوب أو الجبة أو القميص فهذه الأشياء اعتيادية، وأهم شيء أن يستر عورته، وعورة المرأة كل جسدها ما عدا الوجه والكفين، وفي بعض الآراء: جميع جسدها، وعورة الرجل: من السرة إلى الركبة.
ولكن إذا أردت أن تجعل هذه العادة عبادة، فعندما ترتدي لباساً فقل: الحمد الله الذي كساني ما أواري به عورتي وأتجمل به أمام الناس.
وتستشعر نعمة الله، حتى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما كسي عبد ثوباً جديداً ولبسه، فما أن يبلغ إلى ركبتيه وهو يعلم أن الذي كساه إنما هو الله رب العالمين، إلا وغفر الله له).
فعندما يلبس العبد ثوباً جديداً يستر به نفسه، واستشعر أن الذي كساه هو الله غفر الله له.
وفي الحديث يقول صلى الله عليه وسلم: (إذا وضع أحدكم يده في جيبه، ليخرج كيس نقوده، فيخطئه -أي: أراد أن يخرجه من جيبه اليمين، فإذا هو في جيبه الشمال- فإذا ارتجف قلبه، تساقطت ذنوبه كما يتساقط ورق الشجر في اليوم الشاتي).
فالله يسوق إليك المغفرة، ويريد أن تستغفره.
إذاً: البدعة تكون في العبادة، وهي: إضافة شيء في الدين ليس فيه.
فمن ذلك: ما يقوله بعض المؤذنين بعد أن يكملوا الآذن، فيقولون: الصلاة والسلام عليك يا كحيل العينين، ويا أسود الشعر ويا أبيض الوجه، ويا أول خلق الله وآخر خلق الله.
فهذه بدعة في الدين؛ لأنه أضاف في الدين ما ليس منه.
فهل نحن أشد حباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم من سيدنا بلال؟! فلماذا سيدنا بلال لم يقل هذا الكلام؟! فهل سنكون أفضل منه؟ وهو الذي قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم (يا بلال! إني أسمع دف نعليك في الجنة، فقل لي يا بلال ماذا تصنع؟!).
والمبتدع يقول: أنا عملت أفضل من بلال.
وعندما تدخل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة، فإما أن تجد رجلاً يذكر الله، أو يقرأ في المصحف، أو يصلي، وتجد المذيع يقول: ونبدأ شعائر يوم الجمعة بقراءة القرآن، كأنها شعيرة من الشعائر، فهذا يزيد من عنده، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد)؛ لأنه يؤلف من عنده، فالزيادة في الدين كالنقص فيه، وهذه قاعدة أصولية؛ فأنت عندما تزيد في الدين فأنت تنقص فيه؛ لأن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} [المائدة:3].
فالدين مكتمل، فلا يحق لأحد أن يزيد إلا الله، ولا يحق لأحد أن ينسخ إلا الله.
فما دام الدين قد اكتمل، فلا زيادة فيه، والرسول صلى الله عليه وسلم تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، أما أن تبتدع وتؤلف فهذا ليس من الإسلام في شيء.