قال المصنف رحمه الله تعالى: [إذا كنت تريد أن تعرف قيمتك عند مولاك، فانظر فيما أقامك].
يعني: الإنسان إذا أراد أن يعرف مكانته عند رئيسه أو مسئوله أو مديره أو صاحب العمل الذي يعمل معه، ويرى هل يضعه في أخطر القضايا وأعظمها؟ أو يضعه في القضايا البسيطة العادية التي يقدر عليها كل أحد؟ ومثل ذلك مثل رجل عنده ولدان، ولد محب للعلم والمعرفة، وولد لا يحب العلم والمعرفة، فالولد المحب للعلم والمعرفة يتوسم أبوه فيه النبوغ والصلاح وحبه للثقافة، فإذا كان هناك ندوات أو مؤتمرات أو مناقشات علمية، فإنه يدعو ولده المحب للمعرفة للاستماع إليها، بينما ابنه الآخر يدعوه إذا كان هناك مبارات كرة قدم أو رياضة معينة، فكل واحد من الأبناء ينظر إلى الدعوة التي دعاها أبوه فيعرف قيمته عند والده.
ولله المثل الأعلى، فإذا كنت تعرف مقامك عند مولاك فانظر فيما أقامك، هل أقامك في طاعة الله عز وجل، في مجالس العلم، أو في تفريج كربات المسلمين؟ أم أقامك بعيداً عن هذا الخط؟ فلينظر الإنسان أين أقامه مولاه عز وجل، فكلما أقمت في مكان طيب وفي مكانة طيبة وفي منزلة طيبة، فمنزلتك عند الله طيبة، كما قيل للحسن رضي الله عنه: يا بصري! كم أنا عند الله؟ فأجابه الحسن: كم الله عندك؟ أي: إذا كان ربك عندك كل شيء فأنت عند ربك كل شيء، وإن كان الله آخر شيء، فأنت عند الله -والعياذ بالله- آخر شيء.
والمسلم الذي لا يخشع في صلاته، مثله كمثل الشاعر الذي يجلس تحت شجرة لكي يكتب قصيدة ما أو يؤلف مقطوعة ما، أو عالم يبحث قضية مهمة، وعلى هذه الشجرة عصافير تزقزق وتغرد، فتشوش على تفكير هذا الإنسان الذي هو جالس تحت الشجرة، فكلما يصل لحل قضية أو إلى نتيجة معينة، أو يصل إلى البحر والروي الذي يؤلفه، فيجد العصافير تشغله بأصواتها، فيعود يؤلف من جديد، فإذا أراد أن يتخلص من العصافير الواقفة فوق الشجرة فليقطع الشجرة.
قال أهل العلم: الشجرة شجرة الهوى، والعصافير عصافير الشهوات، فعندما تستنبت شجرة الهوى في قلب العبد، وعصافير الشهوات تعشعش في قلبه، فإن صلاته مشوشة، وعبادته مشوشة، وقيام الليل مشوش، والعمل كله مشوش، فإذا أراد أن تخلص نيته لله، فليقطع شجرة الهوى من قلبه لتطير عصافير الشهوات من فوق فروعها وأغصانها.
فالمسلم دائماً يخلص العلائق أو الحواجز أو القناطر التي بينه وبين الله لكي يكون مع الله تعالى فيكون الله معه.
اللهم اكشف عنا الحجب التي بيننا وبينك يا أكرم الأكرمين!