يقول الإمام البخاري لما ساق الخبر: "وبعد أن تسودوا"؛ لأن الإنسان قد يسمع هذا الكلام، ثم يقول: إن عمر يقول: تفقهوا قبل أن تسودوا، مفهومه اتركوا الفقه بعد السيادة، خلاص فات الأوان ما يمديكم، نقول: لا ما فاتك، يقول الإمام أبو عبد الله: "وبعد أن تسودوا" وبعد أن تسودوا، يعني بعد السيادة، والأمثلة -ولله الحمد- في القديم والحديث كثيرة، يوجد من يحضر الدروس الآن من كبار القضاة يحضرون، بل من كبار الدعاة، ويوجد ممن يعلم الناس، ومشهور بالتعليم وعنده مئات من طلاب العلم يقرؤون عليه، إذا وفد عليهم الوافد من أهل العلم جاءوا بطلابهم وحضروا الدروس؛ تحقيقاً لمثل قول البخاري: وبعد أن تسودوا.
فالسيادة ليست مانع، ليست بمانع حقيقي، قد تكون مانع وهمي، بعض الناس يتوهم أنه بعد أن ساد كيف يجلس، يعني تصور رئيس محاكم ببشته وهيئته وأتباعه من القضاة بحلقة درس جالسين ومعهم كتبهم يعلقون، هذا موجود -ولله الحمد- لكن ما في شك أن حظوظ النفس قد تصرف عن شيء من هذا، قد تصرف عن شيء من هذا، فكلام البخاري -رحمه الله تعالى- فيه ما يدل على أن طالب العلم يستمر في الطلب، ويستفيد من كل أحد، ولا ينبل الشخص حتى يأخذ عن من هو مثله، ومن هو فوقه، ومن هو دونه، قد تكون بحاجة إلى مسألة بحثها واحد من طلابك، فتأخذ من الطالب إيش المانع؟ نعم، أنت بأمس الحاجة إلى العلم، ما دمت سلكت هذا الطريق فلتستفد هذا العلم من كل أحد، من كل أحد.
ورواية الأكابر عن الأصاغر باب معروف في علوم الحديث، يروي الكبير عن الصغير، إيش المانع، وهذا باب معروف وأمثلته كثيرة جداً، والنبي -عليه الصلاة والسلام- أعلم الخلق وأتقى الخلق وأخشاهم تلقى حديث الجساسة عن تميم الداري، وأبو بكر أخذ عن عائشة وعمر أخذ عن عبد الله بن عمر، وهكذا. . . . . . . . . الكبر هذا مشكلة أمره مشكل، الكبر لا يتعلم العلم مستحيٍ ولا مستكبر {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ} [(146) سورة الأعراف].