نعم لولا هذه الآية التي فيها الوعيد الشديد على من كتم العلم لكان للعلماء مندوحة ألا يعلموا ولا يفتوا، ولا يبينوا للناس، لكن هذه الآية عظّمت من شأن الكتمان، لولا آية أنزلت في سورة البقرة، فأبو هريرة كأنه يضيق ذرعاً بمن يقول له: أكثرت يا أبا هريرة، أكثرت من الحديث، بعد أن أبدى عذره قال: لولا هذه الآية ما حدثت بكلمة "لولا آية أنزلت في سورة البقرة لما أخبرت بشيء، فلولا أنه قال: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} [(159) سورة البقرة] " نسأل الله السلامة والعافية، وقد يحتاج إلى البيان فيجبن العالم عن البيان، ويتفق ويتواطأ الناس على عدم البيان خوفاً على أنفسهم، هذا الوعيد الشديد الذي يؤكد أنه لا بد من البيان للناس، لا بد من البيان لهم، وبالمقابل تجد من يتصدى ويتصدر ويبين على غير هدى، فهناك لا شك إفراط وتفريط، إفراط وتفريط، لا يجوز الكتمان إذا تعين البيان، وأهل العلم يقررون بالنسبة له -عليه الصلاة والسلام- أنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، هذا بالنسبة للنبي -عليه الصلاة والسلام- فيكيف بغيره؟ إذا احتيج إليه لا بد من البيان، لكن إذا لم يحتاج إليه ففيه سعة؛ لأن البيان فرض كفاية، إذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين، نعم.
"حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا ابن فضيل عن أبيه قال: "كنا نجلس أنا وابن شبرمة والحارث العكلي والمغيرة والقعقاع بن يزيد بالليل نتذاكر الفقه فربما لم نقم حتى نسمع النداء لصلاة الفجر".
السهر مكروه وكان -عليه الصلاة والسلام- كما في الحديث الصحيح يكره النوم قبلها يعني صلاة العشاء، والحديث بعدها، والسنة الإلهية أن الليل سكن، والنهار معاش، لكن السمر في العلم جائز ولا شيء فيه، بل قد يستحب، ويطلب إذا كان أهيأ من النهار فهذه طريقة السلف، الأصل أن الليل سكن، لكن إذا جلس للتحديث والمسامرة بالعلم ومذاكرته فهذا من أفضل الأعمال؛ لأنه أفضل من قيام الليل.