قال المصنف رحمه الله تعالى: [عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تبارك وتعالى قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب)].
هذا الحديث حديث قدسي كالأول، والمعاداة ضد الموالاة، والسؤال الآن: من هو الولي؟ قد أجاب القرآن عن هذا، قال الله جل وعلا: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} [يونس:62 - 64].
فأولياء الله جل وعلا هم أهل التقوى وأهل الإيمان، والحديث سيفصل الطريقة التي تنال بها الولاية.
وأما قوله: (آذنته) فهي بمعنى أعلمته، وكلمة الآذان تأتي مهموزة وتأتي ممدودة، تقول: الأذان بالهمز، وتقول: الآذان بالمد، وأنت طالب العلم لا بد أن تفرق بينهما، فالأذان بالهمز هو الإعلام، ومنه يسمى إعلام الناس بدخول الوقت أذاناً بالهمز، قال الله جل وعلا: {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ} [التوبة:3] أي: إعلام وإخبار وإنذار من الله ورسوله.
وأما الآذان بالمد فهي جمع أذن، وهي الجارحة المعروفة، وحتى يسهل عليك التفريق بينهما فقد جمعهما شوقي في بيت واحد، فقد ذكر تسلط الفرنسيين على دمشق، وأنهم صاروا ينادون بالنواقيس بدلاً من الأذان، فمر بالجامع الشهير في دمشق، وهو الجامع الأموي، وبنو أمية يقال لهم كذلك: بنو مروان؛ لآن عبد الملك بن مروان مؤسس ثانٍ للدولة الأموية، فقال شوقي يصور الحادثة: مررت بالمسجد المحزون أسأله هل في المصلى أو المحراب مروانُ فلا الأذان أذان في منارته إذا تعالى ولا الآذان آذانُ يعني: لا الذي يرفع هو أذان المسلمين المعروف، ولا الذين يسمعونه هم العرب، فقد تغير العرب وأصبح الفرنسيون مسيطرين على البلدة، ويغدون ويروحون فيها، فلا الذي يرفع أذان شرعي، ولا الآذان -يعني جمع أذن- التي تسمع آذان عربية، وإنما هي آذان العلوج من الكفار والنصارى.
وقد أخذ العلماء من هذا الحديث: (من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب) أن الإعذار مقدم على الإنذار؛ لأن الله جل وعلا قال: (من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب)، فآذنته بالحرب إنذار، ومن عادى لي ولياً هذا إعذار، والأسلوب أسلوب شرط، والله أعلم.