وقد دخل سليمان بن عبد الملك الخليفة المعروف مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هل يوجد هنا رجل أدرك أحداً من الصحابة؟ قالوا: نعم أبو حازم، فقدم أبو حازم العابد على سليمان، فقال سليمان لـ أبي حازم: يا أبا حازم! مالنا نكره الموت؟ قال: إنكم عمرتم الدنيا وخربتم الآخرة، فأنتم لا تريدون أن تخرجوا من العمران إلى الخراب.
فقال: يا أبا حازم ما لنا عند الله؟ قال: اعرض نفسك على كلام الله.
قال: وأين أجد هذا؟ قال: في قول الله جل وعلا: {إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} [الانفطار:13 - 14].
قال: يا أبا حازم فأين رحمة الله؟ قال: {إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف:56].
قال: يا أبا حازم فيكف قدومنا على الله؟ قال: أما المحسن فيقدم على الله قدوم الغائب على أهله فرحاً، وأما المسيء فيقدم قدوم الآبق على مولاه وسيده.
فهذه التذكرة من أبي حازم لـ سليمان جعلت سليمان يبكي، ثم قال: له يا أبا حازم! أوصني، قال: لا يراك الله حيث نهاك، ولا يفقدك الله جل وعلا حيث أمرك.
وأعظم من وصية أبي حازم قول الله: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء:131].
وقول الله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج:1 - 2].
وقول الله جل وعلا: {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا * فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا * فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا * فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا * فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا * إِنَّ الإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ * وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ * وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ * أَفَلا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ * وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ * إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ} [العاديات:1 - 11].
هذه ما أراده النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه).
فحري بكل من جعل الله له قلباً يعي، وسمعاً يتعظ، ألا يفكر في شيء أعظم من تفكيره في الساعة التي يقدم فيها على الله جل وعلا، والإنسان مهما بلغت طاعته فهو فقير إلى رحمة الله، ومهما بلغ ذنبه ومعصيته فإن الله جل وعلا أرحم الراحمين وخير الغافرين، ومن تاب تاب الله عليه، {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} [طه:82].
ثم على الإنسان حتى يحب لقاء الله أن يفكر ويتأمل ويتدبر فيما أعده الله لمن أطاعة ولمن خشيه جل وعلا بالغيب.
ألم يقل الله: {إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا} [الإنسان:5 - 6]، إلى آخر الآيات التي في هذا السياق كلها.
هذا ما يمكن أن يفهم جملة علماً ووعظاً من قول نبينا صلى الله عليه وسلم: (من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه).
هذا ما يتسر إيراده، وأعان الله جل وعلا على شرحه من كتاب الرقاق في صحيح البخاري.
وصلى الله على محمد وعلى آله، والحمد لله رب العالمين.