ويباح الدفع من مزدلفة بعد نصف الليل؛ لما ورد من الرخصة في ذلك، ففي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (أنا ممن قدم النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المزدلفة في ضعفة أهله)، أي: أن ابن عباس كان مع ضعفة أهل النبي صلى الله عليه وسلم الذين انطلقوا بعد نصف الليل من المزدلفة عائدين إلى منى، ورواه النسائي بلفظ: (أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم في ضعفة أهله فصلينا الصبح بمنى فرمينا الجمرة)، أي: أنهم وصلوا إلى منى فصلوا الصبح ورموا الجمرة.
وفي الصحيحين عن عبد الله مولى أسماء عن أسماء بنت أبي بكر الصديق ذات النطاقين رضي الله عنها أنها نزلت ليلة جمع عند المزدلفة فقامت تصلي، وذلك بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وفي هذا جواز أن يصلي الإنسان من الليل، فهي صلت المغرب والعشاء وأيضاً صلت جزءاً من الليل، فصلت ساعة ثم قالت: يا بني! هل غاب القمر؟ تسأل من معها وكانت قد عميت رضي الله عنها، فقال عبد الله مولاها: -ومولاها أي: أنه كان عبداً لها وأعتقته هي فهو مولى لها-، فقال: لا، فصلت ساعة، ثم قالت: يا بني! هل غاب القمر؟ وغياب القمر في هذا الوقت يكون بعد منتصف الليل، فسألت عن غياب القمر أي: هل جاوزت نصف الليل؟ فلما قال: نعم، قالت: فارتحلوا، فارتحلنا بعد منتصف الليل ومضينا حتى رمت الجمرة ثم رجعت فصلت الصبح.
فرمت الجمرة قبل أن تصلي الصبح، ويستحيل أن تؤخر صلاة الصبح إلى أن تطلع الشمس، فكأنها أخذت برخصة عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، فرمت الجمرة قبل أن تصلي الصبح ثم صلت الصبح رضي الله عنها، قال: فقلت لها يا هنتاه! ما أرانا إلا قد غلسنا، قالت: يا بني! إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن للضعن، والضعن جمع ضعينة، والضعينة هي المرأة المسافرة الراكبة على البعير، والمقصود أنه أذن للنساء.
فالإذن فيما فعلته هي رضي الله تبارك وتعالى عنها، والذي فعلته أنها انصرفت بعد منتصف الليل، مما يدل على إذن النبي صلى الله عليه وسلم للضعفاء بالانصراف بعد منتصف الليل، أما الأقوياء فالسنة أن يبيتوا حتى الفجر ويصلوا الفجر في المزدلفة ويقفوا عند المشعر الحرام.