اختلف الفقهاء في مقدار المبيت ووقته: فذهب الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد إلى أن زمن الوجوب هو المكث بالمزدلفة من الليل، واختلفوا في هذا المقدار الذي يكون من الليل، فقالت المالكية: النزول بالمزدلفة قدر حط الرحال في ليلة النحر واجب، والمبيت بها سنة، أي: أنه إذا مر بالمزدلفة وبمقدار ما نزل فيها وحط رحله فيها ثم ركب ثانياً وانصرف فهذا يقال له: بات بالليل، فهذا عند المالكية، لكن أن يمكث فيها من وقت أن يصلي العشاء إلى الفجر فهذا سنة وليس فرضاً، هذا عند المالكية.
وقال الشافعية والحنابلة: يجب الوجود بمزدلفة بعد نصف الليل ولو ساعة لطيفة، فلابد أن يكون الحاج في النصف الثاني من الليل موجوداً في هذا المكان ولو بعضاً من الوقت فيه حتى يقال: بات بهذا المكان.
وذهب الحنفية إلى أنه ما بين طلوع فجر يوم النحر وطلوع الشمس، فمن أدرك بمزدلفة في هذا الوقت فترة من الزمن فقد أدرك الوقوف سواء بات بها أم لا.
والمختار ما ذهب إليه الشافعية والحنابلة، فقولهم أوجه، وهو الموافق لهدي النبي صلى الله عليه وسلم، وهو: أن النزول يكون نزولاً بالليل فلا يكفي أول الليل، بل لابد أن يمر عليه نصف الليل ويدخل في النصف الثاني من الليل حتى يقال قد بات في هذا المكان، فكأنه على هذا القول لو أدرك النصف الأول من الليل ثم انصرف قبل أن يدخل عليه النصف الثاني من الليل فهذا لم يبت، فحتى يقال: بات، لابد أن يحصل جزءاً من النصف الثاني من الليل، وحتى يقيم سنة النبي صلى الله عليه وسلم لابد أن يمكث الليل كله وأن يقف بعد صلاة الفجر عند المشعر الحرام يذكر الله ويدعو إلى قبل الإسفار ثم ينطلق.
فلو دفع قبل نصف الليل بيسير ولم يعد إلى المزدلفة فقد ترك المبيت وعليه دم لتركه واجباً، ولو دفع قبل نصف الليل وعاد إليها قبل طلوع الفجر أجزأه، أما من انتهى إلى عرفات ليلة النحر واشتغل بالوقوف عن المبيت بمزدلفة فلا شيء عليه فهذا معذور وداخل تحت نص حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه أدرك من عرفة جزءاً من الليل أو من النهار، فالذي يدرك جزءاً من الليل ولو آخره يستحيل أن يدرك الليل بمزدلفة وهو موجود آخر الليل بعرفة، فعلى ذلك هذا معذور ولا شيء عليه.
ويحصل هذا المبيت بالحضور في أي بقعة كانت من مزدلفة فقد روى مسلم عن جابر في حديث طويل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (وقفت هاهنا وجمع كلها موقف) وجمع هي المزدلفة، يستحب أن يبقى بالمزدلفة حتى يطلع الفجر، فيصلي الفجر هنالك وينتظر حتى وقت الإسفار ثم ينصرف.
وذلك لما في حديث جابر: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ولم يسبح بينهما شيئاً، ثم اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى طلع الفجر وصلى الفجر حين تبين له الصبح بأذان وإقامة، ثم ركب القصوى حتى أتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة فدعاه وكبره وهلله ووحده، فلم يزل واقفاً حتى أسفر جداً فدفع قبل أن تطلع الشمس).