قال جابر: (حتى إذا أتينا البيت معه -أي: مع النبي صلى الله عليه وسلم- استلم الركن فرمل ثلاثاً ومشى أربعاً، ثم نفذ إلى مقام إبراهيم عليه السلام فقرأ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة:125]).
يعني: أن النبي صلى الله عليه وسلم وصل إلى البيت، وهنالك عند البيت أول ما بدأ استلم الركن والحجر الأسود.
وقوله: (فرمل ثلاثاً ومشى أربعاً)، ما فعله قبل ذلك في عمرة القضاء هو أنه رمل لعلة معينة، والآن هذه العلة غير موجودة، ومع ذلك فعل ذلك، فصارت سنة، وسنة الرمل هي في أول ثلاثة أشواط ثم بعد ذلك المشي في الأربعة بعد ذلك.
وقوله: (ثم نفذ إلى مقام إبراهيم) أي: توجه إلى مقام إبراهيم عليه السلام، قال: (فقرأ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة:125])، يعني: أنه يسن بعدما تنتهي من الطواف بالبيت أن تتوجه إلى مقام إبراهيم؛ لتصلي خلفه ركعتين، تقول وأنت متوجه إليه: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة:125]، ثم تصلي ركعتين.
قال: (فجعل المقام بينه وبين البيت)، قال راوي الحديث -الذي هو جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه- فكان أبي -يعني: محمد بن علي بن الحسين يقول -ولا أعلمه ذكره إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم-: كان يقرأ في الركعتين: ((قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ))، و ((قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ))، يعني: قرأها في الركعتين، وهنا عطف بالواو التي تفيد مطلق الاشتراك بين الاثنين؛ فيجوز أن تبدأ بـ ((قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ))، ويجوز أن تبدأ بـ ((قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ))، إحداهما في ركعة وفي الركعة الثانية السورة الأخرى.
وجاءت أحاديث أخرى عنه صلوات الله وسلامه عليه، فكأن الرواة لم يضبطوا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى خلف المقام ركعتين فقط، فروى بعضهم أنه قرأ في الأولى: ((قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)) وفي الثانية: ((قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ))، وبعضهم ذكر عكس ذلك؛ فذكر هذه في الأولى وتلك في الثانية، فكل جائز.
وروى الترمذي عن جابر: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في ركعتي الطواف بسورتي الإخلاص: ((قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ)) و ((قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ))) يعني: بعد قراءة الفاتحة.
قال: (ثم رجع إلى الركن فاستلمه) صلوات الله وسلامه عليه، وهذا فيه سنة أخرى: أنك بعدما تنتهي من صلاة الركعتين خلف مقام إبراهيم ترجع وتستلم الركن مرة ثانية، وهذا طبعاً إن استطعت ذلك؛ لأن الآن مع الزحام أصبح هذا صعباً جداً، ولكن من استطاع أن يفعل فليفعل كل بحسب ما يقدر.