قال جابر: (ثم خرج من الباب إلى الصفا)، يعني: أنه لم ينزل على نصف المسعى مباشرة، وإنما ذهب من الباب إلى الصفا، فهذه سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا انتهيت من الصلاة خلف مقام إبراهيم، فتوجه مباشرة مستقيماً إلى الصفا، ولا تمش من ساحة الحرم إلى أن تصل إلى الصفا، فتخرج من باب الصفا إلى الصفا مباشرة، بحيث تمشي جزء من الشوط داخل المسعى، بل امش إلى الصفا وابدأ من الصفا؛ مراعاة لقول الله سبحانه في الصفا والمروة: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة:158]، فبدأ بالصفا.
وكذا قرأها النبي صلى الله عليه وسلم وفسرها بفعله عليه الصلاة والسلام، مع أننا نقول: إن الواو في اللغة لا تقتضي ترتيباً، إنما تقتضي مطلق الاشتراك فقط، ولكن ربنا سبحانه قدم الصفا على المروة، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (نبدأ بما بدأ الله به)، فيكون هذا مقصوداً، حتى وإن كانت الواو لمطلق الاشتراك، لكن سنة النبي صلى الله عليه وسلم بينت أن الابتداء يكون بالصفا.
فهنا قرأ النبي صلى الله عليه وسلم: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة:158]، وقال: (أبدأ بما بدأ الله به) يعني: أن الله عز وجل إذا ذكر شيئاً وعطفه بالواو فنبدأ بالذي بدأ به الله سبحانه تبارك وتعالى، سواء قلنا: إن الواو تقتضي مطلق الاشتراك أو تقتضي الترتيب، والصواب أنها لمطلق الاشتراك، لكن لم يقدمها الله عز وجل إلا لسبب من الأسباب، فنبدأ بما بدأ الله سبحانه تبارك وتعالى به.
قال: (فقرأ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة:158]، فبدأ بالصفا فرقي عليه، حتى رأى البيت، فاستقبل القبلة، فوحد الله وكبره، وقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ثم دعا بين ذلك، قال مثل هذا ثلاث مرات).
وجاء في حديث آخر عن جابر أيضاً من رواية النسائي قال: (قرأ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة:125]، ورفع صوته يسمع الناس) يعني: أنه بعدما أكمل الطواف وتوجه إلى مقام إبراهيم قرأ هذه الآية ورفع صوته؛ ليسمع الناس أن هنا مقام إبراهيم وهنا نصلي خلفه ركعتين.
قال: (ثم انصرف فاستلم)، يعني: استلم الحجر الأسود مرة أخرى قبل أن يتوجه إلى الصفا.
قال: (ثم ذهب فقال: نبدأ بما بدأ الله به، فبدأ بالصفا فرقي عليه حتى بدا له البيت فقال ثلاث مرات: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت).
وقوله: (يحيي ويميت) زيادة موجودة في سنن النسائي وليست في صحيح مسلم.
قال: (يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، فكبر الله وحمده ثم دعا بما قدر له، ثم نزل ماشياً حتى تصوبت قدماه في بطن المسيل، فسعى حتى صعدت قدماه، ثم مشى حتى أتى المروة فصعد فيها، ثم بدا له البيت فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، قال ذلك ثلاث مرات، ثم ذكر الله وسبحه وحمده، ثم دعا عليها بما شاء الله، فعل هذا حتى فرغ من الطواف).
وفي رواية جابر بعدما ذكر أنه قال ذلك على الصفا قال: (ثم نزل إلى المروة، حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي سعى)، فهنا السنة المشي من الصفا إلى بطن الوادي الذي عند الميل الأول الأخضر، فإذا وصلت إلى هذا المكان فابدأ فيه السعي الشديد أو شيئاً من الجري بين الميل الأول والميل الثاني.
قال: (حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي سعى، حتى إذا صعدنا مشى حتى أتى المروة، ففعل على المروة كما فعل على الصفا، حتى إذا كان آخر طوافه على المروة، فقال: لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي وجعلتها عمرة).
يعني: أنه في المرة السابعة انتهى إلى المروة، فقال: إنه لو استقبل من أمره ما استدبر لم يسق الهدي ولجعلها عمرة، يعني: ولكان تحلل كما تحلل أصحابه، ولكنه لبى بحج وعمرة، فكان قارناً وساق معه الهدي، فليس له أن يتحلل الآن عليه الصلاة والسلام.