ودم التمتع واجب بإجماع المسلمين، ووقت وجوبه الإحرام بالحج، وهذه مسألة مختلف فيها، لكنه هنا دخل في مناسك الحج وأحرم فيؤدي العمرة ليتحلل بين العمرة والحج، فهو دخل في الحج، وربنا سبحانه وتعالى ذكر لنا قوله: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة:196] فجعل الهدي له غاية، لكن من تمتع بالعمرة إلى الحج، هل المراد إلى ابتداء الحج ويكفي أم لابد من الانتهاء من مناسك الحج حتى يجب عليه دم المتعة؟ هذا فيه خلاف بين العلماء، والراجح: أنه طالما أدى العمرة وتحلل ثم بدأ في الإحرام فقد أصبح متلبساً بالحج، فيجب عليه ما أوجب الله سبحانه وتعالى، ولا يشترط أن يكمل المناسك حتى يجب عليه ذلك، فيكون وقت الوجوب هو الإحرام بالحج.
وفرق بين أن نقول: إنه وقت وجوب دم التمتع وبين وقت ذبح الهدي، فذبح الهدي شيء آخر فنقول: أنت وجب عليك الدم من وقت ما أحرمت بالحج، فيقول: أنا أديت العمرة وتحللت وصرت حلالاً في هذا الوقت بين الحج والعمرة وكان من الممكن أن أسافر ولا أرجع مرة أخرى، وقد فعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، فقد اعتمر في ذي القعدة ثلاث عمرات صلى الله عليه وسلم، وما مكث حتى أدى الحج، نقول: لو أن إنساناً فعل ذلك لم يجب عليه الهدي لأنه اعتمر فقط، لكن لو مكث حتى الحج وأحرم بالحج فلا يجوز له فسخ هذا الإحرام بعد ما تلبس به، فيصير محرماً طالما أنه عقد الإحرام في الحج، فليس له أن يتحلل منه إلا بالانتهاء منه، فطالما أنه ليس له التحلل منه إلا بالانتهاء من أفعاله فيجب عليه الآن دم التمتع، فيكون المراد بقول الله عز وجل: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة:196] المتمتع أحرم بالحج من دون الميقات، فيلزمه الدم، كما لو وقف أو تحلل.
والعلماء لهم أقوال في هذه المسألة: فالذين قالوا بوجوب دم التمتع بوقت الإحرام بالحج أبو حنيفة والشافعي وأحمد وداود، وعن أحمد قول آخر: أنه يجب عليه هذا الدم وقت الوقوف بعرفة، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الحج عرفة) فعندما يقف بعرفة يجب عليه دم التمتع، وتصبح المناسك تابعة له، ويلزمه الحج الآن، ولكن الراجح الرواية الأولى عن الإمام أحمد رحمه الله، وهو قول الجمهور، فيكون وجد الشرط الذي ذكره الله عز وجل: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} [البقرة:196].
وبعض أهل العلم ذهبوا إلى أن هذا الدم يجب إذا رمى جمرة العقبة، والجمهور كما ذكرنا ذكروا أن قوله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} تفيد الغاية ويكتفى بأولها، كما في قول الله عز وجل: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة:187] والليل له أول وله آخر، وينتهي الصيام في أول الليل، كذلك هنا: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} فالحج له أول، وهو الإحرام، وله آخر بالتحلل، فيكون المعنى على ذلك: إلى الابتداء بالحج، وهذا هو الأحوط فيها.
ولا يجوز نحر الهدي قبل يوم النحر وقلنا: يجوز ذلك للإنسان المتمتع عند الشافعية باعتبار أنه تمتع بالعمرة إلى الحج، فهذا يجوز له بوجود أحد السببين أن ينحر الهدي.
وقلنا: لا يجوز؛ لأن ما قبل يوم النحر لا يجوز فيه ذبح الأضحية، وهذا بالاتفاق، فكذلك الهدي قياساً عليه، فلا يجوز ذبح هدي التمتع قبل العيد؛ لأنه لم يثبت أن أحداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم نحر قبل يوم النحر، ولا أمروا بذلك، فيكون الراجح فيه أنه لا يجوز قبل يوم النحر؛ لأنه لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم أحداً من أصحابه بفعل ذلك، وإن جاز أن يكون البدل قبله، أي: أن يصوم ثلاثة أيام قبل العيد، لكن الهدي نفسه لا يذبح إلا في العيد؛ لأنه يوم النحر ويوم الهدي ويوم العيد، وهو الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه، ولم يأمر أحداً أن يذبح قبل.