قال الحافظ: ((وفيه أن الرزق في الدنيا ليس على قدر درجة المرزوق في الآخرة، ففي الدنيا تقع العطية والمنع بحسب السياسة الدنيوية، فكان – صلى الله عليه وسلم – يعطي من يخشى عليه الجزع والهلع لو مُنع، ويمنع من يثق بصبره واحتماله، وقناعته عنه بثواب الآخرة.

وفيه أن البشر جبلوا على حب العطاء وبغض المنع، والإسراع إلى إنكار ذلك قبل الفكرة في عاقبته، إلا من شاء الله.

وفيه أن المنع قد يكون خيراً للممنوع، كما قال تعالى: {وَعَسَىَ أَن تَكرَهُواْ شَيئاً وَهُوَ خَيرٌ لَّكُم} ومن ثم قال الصحابي: ((ما أحب أن لي بتلك الكلمة حمر النعم)) ، والباء في قوله: ((بتلك)) للبدلية، أي: ما أحب أن لي بدل كلمته [النوق الحمر] ؛ لأن الصفة المذكورة تدل على قوة إيمانه المفضي به إلى دخول الجنة، وثواب الآخرة خير وأبقى.

وفيه استئلاف من يخشى جزعه، أو يرجى بسبب إعطائه طاعة من يتبعه، والاعتذار إلى من ظن ظناً، والأمر بخلافه)) (?) .

والمقصود من الحديث، قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لما في قلوبهم من الجزع، والهلع)) ، وقوله: ((وأكل أقواما إلى ما جعل الله في قلوبهم من الغنى والخير)) ، فإن الهلع والجزع، وكذلك غنى القلب والإيمان، كل ذلك وصف للإنسان، وهو فعله وعمله، والله خالقه.

فإن الله خلق الإنسان وخلق أفعاله، فجعله فاعلاً لهذه الأشياء.

قال الكرماني: ((الغرض من هذا الباب: إثبات أن أخلاق الإنسان، من الهلع، وضده، الضجر، وعدمه، والانقياد، والامتناع، وغيرهما، بخلق الله تعالى)) (?) .

********

طور بواسطة نورين ميديا © 2015