الآخرة على الدنيا، يعطيهم خوفاً عليهم من الجزع، وعدم الصبر، فيتزعزع إيمانهم، فهذا الذي جعله يعطي قوماً، ويمنع آخرين، يمنع كُمَّلَ الإيمان الذين ذاقوا طعمه وحلاوته، التي لا تعادلها الدنيا بأسرها، بل ولا شيئاً منه، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: ((وأَكِلُ أقواماً إلى ما جعل الله في قلوبهم من الغنى والخير)) .

((فبلغه أنهم عتبوا)) قال الأزهري: ((قال ابن شميل، وابن المظفر: العتب: الموجدة، تقول: عتب فلان على فلان، إذا وجد عليه)) (?) .

والمعنى: أنه صار في نفوسهم عليه شيء بسبب منعهم من هذا المال؛ لأنهم يرون أنهم أحق من غيرهم، وذلك لخفاء الأمر عليهم، وإلا فالمتعين الرضا بما يفعله الرسول – صلى الله عليه وسلم – والتسليم لأمره وفعله، وهذا شأن الصحابة رضوان الله عليهم غالباً.

((فقال: إني أعطي الرجل، وأدع الرجل، والذي أدع أحب إلي من الذي أعطي)) الخ.

يعني: أن تخصيصه بعض الناس بالعطاء ليس دليلاً على أنه - صلى الله عليه وسلم - يحب المعطي أكثر من غيره، بل يعطيه خوفاً عليه من الجزع، وعدم الصبر على بلوى الإعواز، وقلة ذات اليد، فإذا لم يحصل لهؤلاء ما يتطلعون إليه من العطاء كان ذلك عونا للشيطان عليهم، في إرجاعهم عن الإسلام، أو اعتراضهم على النبي – صلى الله عليه وسلم -، فيكون في ذلك هلاكهم.

أما الذين أودع الله في قلوبهم الخير والغنى بالإسلام ومحبته والرغبة فيه، والرجاء لما أعد الله لهم في الآخرة، فإنهم أحب إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ممن أعطاهم من ذلك المال وغيره، ولم يثنه عن عطائهم إلا ما علمه من الغنى في قلوبهم، وثقتهم بوعد الله لهم، وإيمانهم الذي لا يتزعزع، وحبهم لله ورسوله، بحيث يحبون ما أحبه الله ورسوله، فلا يرون أن غير ما فعله أحسن مما فعله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015