يعني إذا كان هذا واقع هؤلاء المعبودين فكيف يعبدون من دون الله؟ فكيف يعبدون من دون الله؟ الذي لا يملك لنفسه الضر ولا النفع، كيف يطلب لكشف الضر وجلب النفع؟ إذا كان يتقرب إلى الله بتوحيده وإخلاص العبادة له، فكيف يتقرب إليه دون الله -عز وجل-؟

" {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} ": قدم المعمول؛ لأنه يفيد الحصر، يعني لا يعبدون غيره، كما في قوله -جل وعلا- في سورة الفاتحة: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [(5) سورة الفاتحة]، تقديم المعمول لإرادة الحصر.

وجه الشاهد من الآية أو المطابقة بالنسبة للآية مع الترجمة أن صنيع هؤلاء المدعوين هو التوحيد، لماذا؟

لأنهم يدعون الله، يدعون الله يعني يعبدونه.

" {يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ} ": يبتغون إلى ربهم بما يتوسلون به مما يقربهم إليه، ويتنافسون في ذلك، أيهم أقرب إلى الله -جل وعلا-.

" {وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ} ": فإذا كانوا يعبدونه ويتنافسون في عبادته، وأعظم ما يتعبد به الرب -جل وعلا- التوحيد، المترجم عنه بكلمة التوحيد لا إله إلا الله، فالمطابقة والمناسبة من هذه الحيثية وإن استشكل بعضهم إيراد الآية تحت هذه الترجمة.

قد يقول قائل: هناك نصوص أوضح من هذه الآية، وبعضهم قال: إن المناسبة استخراج المناسبة والمطابقة بين الآية والترجمة فيه تكلف، لكن إذا عرفنا حال المعبودين من صالحي الخلق من الملائكة والأنبياء والأولياء، هؤلاء يتقربون إلى الله، يدعونه، {وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ} أي: يرجون أيهم أقرب، يتنافسون في ذلك، ويتوسلون بما يقربهم إلى الله -جل وعلا- ومن أعظم ما يقربهم إلى الله -جل وعلا- التوحيد.

وقوله: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ* إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ} [(26 - 27)].

إبراهيم الخليل أفضل الخلق بعد محمد -عليهم الصلاة والسلام- يقول لأبيه وقومه، يصارحهم، ولا يجاملهم، {إِنَّنِي بَرَاء}: يتبرأ منهم ومن معبوداتهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015