"وقول الله تعالى: {أولئك الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} [(57) سورة الإسراء] ": المشركون تنوعت معبوداتهم فمنهم من يعبد الأشجار، ومنهم من يعبد الأحجار، ومنهم من يعبد الأصنام، ومنهم من يعبد الملائكة، ومنهم من يعبد بعض الرسل، ومنهم من يعبد بعض الأولياء، ومنهم من يعبد الجن، المقصود أن المعبودات متنوعة، فإذا عبدوا ملكاً أو رسولاً كالمسيح، هذا المعبود هل يملك لنفسه شيئاً؟ هو معبد مذلل لله تعالى، {أولئك الَّذِينَ يَدْعُونَ} يعني المدعوين {يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ} يعني يتقربون إلى الله -جل وعلا- بأنواع العبادة، يتقربون إليه بما يرضيه، فإذا كان هؤلاء المعبودين يعبدون الله ويتقربون إليه، يبتغون إليه الوسيلة، يبتغون إليه القرب بفعل ما أمر به وترك ما نهى عنه، فكيف يُعبدون من دون الله؟

فهم يرجون رحمة الله ويخافون عذابه، ومادام هذا وضعهم، يعني فإنهم لا يعبدون إلا الله، فلماذا تشركون؟

فأثبت العبادة للمدعوين ونفى عنهم الشرك، وأنهم يتقربون إلى الله بما يحب، ومن أعظم ذلك توحيده وإفراده بالألوهية، فكيف يعبدون من دون الله؟.

يقول الشارح -رحمه الله تعالى- الشيخ عبد الرحمن بن حسن في قرة عيون الموحدين: "أي أولئك الذين يدعوهم أهل الشرك ممن لا يملك كشف الضر ولا تحويله من الملائكة والأنبياء والصالحين كالمسيح، وأمه، والعُزير، فهؤلاء دينهم التوحيد، وهو بخلاف من دعاهم من دون الله، ووصفهم بقوله: {يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} فيطلبون القرب من الله بالإخلاص له، وطاعته فيما أمر، وترك ما نهاهم عنه، وأعظم القرب التوحيد، الذي بعث الله به أنبياءه ورسله، وأوجب عليهم العمل به والدعوة إليه، وهذا الذي يقربهم إلى الله، أي إلى عفوه ورضاه، ووصف ذلك بقوله: {وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ} [(57) سورة الإسراء] ".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015