الحمد لله، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.
وبعد: تكلمنا في الدرس الماضي عن الحديث الحسن، وذكرنا له تعريفات عدة، منها: تعريف الخطابي، وتعريف ابن الجوزي، وتعريف الإمام الترمذي، وتعريف الحافظ ابن حجر العسقلاني.
فـ الخطابي قال: هو ما عرف مخرجه واشتهر رجاله، وعليه مدار أكثر الحديث، وهو الذي يقبله أكثر العلماء ويستعمله عامة الفقهاء.
وأما تعريف الحافظ ابن حجر فهو: ما اتصل سنده بنقل العدل خفيف الضبط، أو إن شئت فقل: قد عرف الحافظ ابن حجر الحديث الصحيح فقال: هو ما اتصل سنده بنقل العدل تام الضبط عن مثله إلى منتهاه من غير شذوذ ولا علة، ثم قال: فإن خف الضبط فالحسن لذاته.
ومعنى خف الضبط: أنه ينزل من درجة (ثقة) إلى درجة (صدوق)، أو إلى درجة (لا بأس به) أو (ليس به بأس) أو إلى درجة (صالح الاعتبار)، أو إلى درجة تدل على أن حديثه حسن.
وأما تعريف الإمام الترمذي فهو: ألا يكون في إسناده من يتهم بالكذب، وألا يكون شاذاً، وأن يروى من غير وجه نحو ذلك.
وأما الإمام ابن الجوزي فقال في تعريف الحديث الحسن: هو الذي فيه ضعف قريب محتمل.
وسندخل في جمع الشيخ أبي عمرو بن الصلاح بين هذه التعاريف، أبو عمرو بن الصلاح عندما نظر إلى الحديث الحسن ووجد أن العلماء اختلفوا فيه اختلافات عدة كادت أن تبلغ العشرين تعريفاً، فقال: أنا نظرت في هذه التعريفات كلها فوجدتها تدور بين أمرين اثنين لا ثالث لهما: الأمر الأول: هو الحديث الذي لا يخلو رجال إسناده من مستور لم تتحقق أهليته، يعني: مجهول، والمجهول نوعان، وعند الحديث عن تعريف المجهول سنتعرض لبيان المجهول جهالة عين والمجهول جهالة حال.
لكن على أي حال يسعك الآن ابتداءً أن تعرف أن المستور هو المجهول.
فيقول: النوع الأول: هو الحديث الذي لا يخلو رجال إسناده من مستور لم تتحقق أهليته، لكن ليس معنى هذا أنه يكون شديد الغفلة، ولذا قال: غير أنه ليس مغفلاً كثير الخطأ، يعني: لا يكون الأصل فيه أنه كثير الخطأ، كثير الأغلاط في الحديث.
قال: ولا هو متهم بالكذب، وفي الدرس الماضي فرقنا بين الكذاب وبين المتهم بالكذب.
قال: ويكون متن الحديث قد روي مثله أو نحوه من وجه آخر.
والمتن هو ما انتهى إليه السند من الكلام، ولما أقول: هو ما انتهى إليه السند من الكلام، لا يلزم منه أن يكون كلام النبي صلى الله عليه وسلم فقط، بل يمكن أن يكون كلاماً لصحابي أو كلاماً لتابعي ومن هو دون التابعي، المهم أن يكون فيه إسناد، ثم يحتاج هذا الإسناد إلى نسبة هذا القول إلى قائله.
يقول ابن الصلاح: ويكون هذا المتن -المروي على هذه الهيئة أو هذه الصفة- قد جاء من وجه آخر مثله أو نحوه.
وقد فرقنا بين المثلية والنحوية، فالمثلية تستلزم المطابقة بين نصين، كأن أقول: كلامي مثل كلامك، يعني: لو وضعت كلامي على كلامك لانطبق تمام المطابقة دون أن يخرج حرف زيادة أو نقصاناً.
أما قولك: كلامي نحو كلامك فيعني: شبه كلامك، المعنى واحد واللفظ غير متحد.
يقول: ويكون متن الحديث قد روي مثله أو نحوه من وجه آخر؛ وبذلك خرج عن كونه شاذاً أو منكراً، والشذوذ هنا بمعنى الغرابة، ليس الغرابة الاصطلاحية، وإنما هي الغرابة التي يستخدمها بعض المحدثين لإثبات الشذوذ، لا لإثبات الغرابة الاصطلاحية، مثل أن أقول لك: هذا الكلام غريب، أي: ضعيف منكر.
إذاً: هذه غرابة من ناحية اللغة وليست من ناحية الاصطلاح، وإلا فالغريب اصطلاحاً: هو ما تفرد بروايته راوٍ واحد، أما إذا قلت: وهذا كلام غريب، يعني: شاذ منكر.
ثم قال: وكلام الترمذي يتنزل على هذا القسم.
ابن الصلاح قال في أول كلامه: أنا عندما نظرت في عامة كلام أهل العلم الذين وضعوا الحد أو التعريف لبيان الحديث الحسن وجدت كلامهم يدور بين أمرين اثنين لا ثالث لهما: الأمر الأول: هو الحديث الذي لا يخلو رجال إسناده من مستور لم تتحقق أهليته، لكنه ليس مغفلاً ولا كثير الخطأ، ولا متهماً بالكذب، (ويروى هذا المتن من وجه آخر نحوه أو مثله)، فيخرج بذلك الحديث عن كونه شاذاً أو منكراً.
ثم قال: وعلى هذا التعريف يتنزل كلام الترمذي.
فـ الترمذي عرفه بقوله: ألا يكون في إسناده راوٍ متهم بالكذب، ولا يكون شاذاً ولا معللاً، ويروى من غير وجه نحو ذلك أو مثله، فكلام الترمذي وتعريفه يتنزل على هذا القسم الذي يتكلم فيه ابن الصلاح.
فقوله: ويروى هذا المتن من وجه آخر نحوه أو مثله، مثال: لو أتاني حديث وفي الطريق إلى هذا الحديث راوٍ مستور -يعني: مجهول- سأقول: هذا الحديث ضعيف، والعلة ذلك الراوي المجهول أو المستور الذي لم تتحقق أهليته، ثم يتبين بأن هذا الحديث مع المتابعة والبحث في كتب السنة قد روي بإس