قال: [الباب السادس: باب الإيمان بأن كل مولود يولد على الفطرة، وذراري المشركين]، أي: ما من مولود من بني آدم إلا ويولد على الفطرة كما جاء في الصحيحين أنه عليه الصلاة والسلام قال: (كل مولود يولد على الفطرة -وفي رواية: على فطرة الإسلام، أي: ما من مولود إلا ويولد مسلماً- فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه أو يشركانه)، أي: يجعلانه يهودياً أو نصرانياً أو مجوسياً أو مشركاً، مع أنه ما من مولود إلا يولد على فطرة الإسلام، وهذا الميثاق الذي أخذه الله على ذرية آدم لما استخرجهم من ظهور آبائهم؛ يوم أن أخرجهم ووضعهم في كفه سبحانه وتعالى وقال: هؤلاء للنار وهؤلاء للجنة، أو العكس.
وكذلك ذراري المشركين، أي: أن كل الكفار إذا أنجبوا أولاداً صغاراً فإنهم يولدون على الإسلام وعلى الإيمان والتوحيد؛ للميثاق الأول الذي أخذ عليهم: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعراف:172]، أي: شهدوا بربوبية الله عز وجل، والشهادة بالربوبية عند الإطلاق تعني توحيد الربوبية والإلهية، وإذا ذكر التوحيدان كان لكل منهما مضمون ومراد يختلف عن الآخر، وقد اختلف العلماء في أبناء المشركين إذا ماتوا قبل البلوغ هل هم كفار؟ فقال أقوام من أهل العلم: إنهم كفار تبعاً لآبائهم، وقال بعض أهل العلم: هم مؤمنون، وهم من أهل الجنة مع أطفال المسلمين الذين ماتوا قبل البلوغ؛ لأن أطفال المسلمين الذين ماتوا قبل البلوغ يدخلون الجنة ولا أعلم في ذلك خلافاً؛ لأنه لم يجر عليه القلم، ولم يبلغ الحلم، فلا ذنب اقترفه ولا إثم فعله، وحينئذ هو من أهل الجنة، ولذلك جعل النبي صلى الله عليه وسلم هذا باباً من أبواب الشفاعة فقال: (من مات له ثلاثة من الولد قبل أن يبلغوا الحنث فاحتسبهم دخل الجنة، قالوا: يا رسول الله! واثنان؟ قال: واثنان).
صلى الله على نبينا محمد، وقد جاء في الحديث: (سئل النبي عليه الصلاة والسلام عن أطفال المشركين فقال: الله أعلم بما كانوا عاملين)، حتى تعلم منشأ الخلاف عند أهل العلم؛ لأن أهل العلم اختلفوا على مذاهب شتى، فمنهم من قال: هم كفار، ومنهم من قال: هم مؤمنون، ومنهم من توقف، ومنهم من قال: يبتلون يوم القيامة باختبار وامتحان، فإن نجحوا وفازوا دخلوا الجنة، وإن رفضوا دخلوا النار، وهذا الامتحان في التوحيد، إذاً منشأ الخلاف قوله عليه الصلاة والسلام: لما سئل عن أطفال المشركين: (الله أعلم بما كانوا عاملين)، أي: لا أعرف ماذا كانوا سيعملون؟ فلما توقف النبي توقف الناس فيهم، أو اختلف الناس فيهم، لكن النبي عليه الصلاة والسلام (سئل في آخر حياته عن أطفال المشركين فقال: هم في الجنة مع إبراهيم عليه السلام)، ولا شك أن هذا القول ينسخ القول الأول، وهذا الذي استقر عليه مذهب جماهير العلماء من أهل السنة والجماعة، أن أطفال المشركين إذا ماتوا قبل بلوغ الحلم وقبل أن يجري عليهم القلم فهم مع أطفال المسلمين في الجنة، وهذا هو القول الراجح، وهو الذي نرجو ونود أن يكون موافقاً لرحمة الله عز وجل؛ لأن هؤلاء لا يحاسبون.