قال: [الباب الخامس: باب الإيمان بأن الشيطان مخلوق] والذي خلق الخلق هو الله عز وجل، ومن بين المخلوقات إبليس، وهو رأس الشر، والخير والشر من عند الله، والخير والشر مخلوقان لله عز وجل.
قال: [باب الإيمان بأن الشيطان مخلوق مسلط على بني آدم يجري منهم مجرى الدم]، أي: كما يجري الدم في العروق، فكذلك الشيطان يجري منك كما يجري الدم، فما هو الدليل؟ أليس قول النبي الكريم: (إن الشيطان إذا سمع الأذان ولى وله ضراط)؟ والحديث في الصحيحين، لكن هل هو في المسألة التي ذكرتها؟ لا، ولذلك الدليل الذي يصح الاحتجاج به يشترط فيه شرطان: الأول: أن يكون صحيحاً، والثاني: أن يكون صريحاً في النزاع.
ومن قبل قلت لكم: لو أن امرأة أتت الآن وقالت: طلقني زوجي، أي: قال لها: اذهبي فأنت طالق، فهل هذا الطلاق يقع أم لا؟
صلى الله عليه وسلم نعم يقع، بدليل أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً ثم أتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر)! فهذا الدليل صحيح أم لا؟
صلى الله عليه وسلم الدليل ليس صريحاً في النزاع؛ لأنه ليس له علاقة بالقضية، ما لقضية الصيام بقضية الطلاق؟! إذاً: الدليل الذي يجوز الاحتجاج به في قضية ما شرطاه: أن يكون صحيحاً، وأن يكون صريحاً في محل النزاع، وأنا الآن أطالب الطلبة بأن يأتوا بحديث يثبت أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم في العروق، فقال الأخ الكريم بحديث توفر فيه شرط واحد وفقد الشرط الثاني، إذاً هذا يهدم من أساسه ولا يصح للاحتجاج به.
كما لو أتى إنسان فقال: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم في العروق)، أخرجه فلان، وفيه فلان الضعيف، فأقول له: أنت الآن حكمت بأن هذا الدليل لا يصلح للحجة، وإن كان صريحاً في النزاع أو في الطلب، لكنه لا يصلح أن يكون دليلاً لضعفه.
والحجة: (أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان، فأتت صفية بنت حيي بن أخطب رضي الله عنها ولعن الله أباها، ثم أراد النبي عليه الصلاة والسلام أن يقلبها إلى بيتها، فخرج من المعتكف ليردها إلى البيت، فرآه صحابيان، فناداهما النبي عليه الصلاة والسلام وقال: إنها صفية بنت حيي، فقالوا: سبحان الله! يا رسول الله! أوفيك نشك؟ فقال النبي عليه الصلاة والسلام: إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم في العروق)، والحديث في الصحيحين، وهو صريح في أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم في العروق.
وهناك حديث صحيح وصريح من جهة العموم لا من جهة فصل النزاع في قضية فرعية، وهو أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)، والوجاء الوقاية من الشيطان، ويوضح هذا قوله عليه الصلاة والسلام: (فضيقوا عليه بالصيام).
فتبين أن الصائم يهبط في بدنه جريان الدم، وبالتالي يهبط معه الشيطان ويخمد، وأنتم تعملون أنه إذا دخل رمضان غلقت أبواب النيران وفتحت أبواب الجنان وصفدت الشياطين بسبب الصيام وغير ذلك.