إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [الباب السابع: باب الإيمان بأن الله عز وجل قدر المقادير قبل أن يخلق السماوات والأرضين].
السماوات: جمع سماء، والأرضون: جمع أرض، وكما أن السماوات سبع فكذلك الأرضون سبع.
قال: [ومن خالف ذلك فهو من الفرق الهالكة].
أنتم تعلمون أن أهل الإسلام اختلفوا إلى فرق، وهذا قد أخبر به النبي عليه الصلاة والسلام.
قال: (ستفترق هذه الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، قيل: من هي يا رسول الله؟! قال: من كانوا على مثل ما أنا عليه وأصحابي).
فالفرقة الناجية من بين الفرق الهالكة هي فرقة أهل السنة والجماعة، والفرق التي دون هذه الفرقة تسمى الفرق الهالكة أو الفرق الضالة، فمن قال: إن الله تعالى لم يقدر المقادير، ولم يكتب آجال العباد ولا أرزاق العباد ولا أعمال العباد ولا شقاوة العباد ولا سعادة العباد قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة؛ فهو من الفرق الهالكة الضالة.
دليل ذلك من السنة: حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما الذي أخرجه مسلم في صحيحه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله كتب مقادير الخلائق كلها قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء).
وأنتم تعلمون أن منكر مرتبة العلم ومرتبة الكتابة -وهما أعظم مرتبتين من مراتب القدر- كافر بالله العظيم، حكم جل الصحابة رضي الله عنهم بكفره، كما جاء ذلك صريحاً من حديث عبد الله بن عمر لما قيل له: إن أناساً قبلنا بالبصرة يقرءون العلم ويتقفرون القرآن، وفي رواية: ويتفقرون القرآن يقولون: لا قدر، وأن الأمر أُنف، قال: إذا لقيتهم فأخبرهم أني بريء منهم، وأنهم برآء مني.
قال النووي: وهذا ظاهر في تكفيرهم.
ثم قال شيخ الإسلام ابن تيمية وكذلك من قبله الإمام النووي وغير واحد: أما منكر مرتبة العلم -أي: أن الله تعالى يعلم كل شيء كان وسيكون- ومنكر مرتبة الكتابة -أي: كتابة مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة- فإنه كافر، يقولون: منكر هاتين المرتبتين لا وجود له الآن، وكان ذلك في الأزمنة الأولى، فهذا حديث عظيم يدل على عظم المرتبة الثانية من مراتب القدر وهي مرتبة الكتابة، كتب الله تعالى ما سيكون وما كان من أمر الخليقة إلى قيام الساعة؛ كتب ذلك في اللوح المحفوظ فهو في كتاب عنده تحت العرش.