قال المصنف رحمه الله تعالى: [الباب الرابع: في ذكر ما أعلمنا الله تعالى أن مشيئة الخلق تبع لمشيئته]، فلا يريد العبد إرادة ولا يشاء مشيئة إلا وهي تابعة لمشيئة الله، فإن كانت في الطاعة فإن الله هو الذي أنشأها، وأمر بها، ورضيها لأصحابها، ووفقه لها، وأثابه عليها، وإذا كانت شراً فإن الله تعالى أرادها كوناً وقدراً، يعني: أرادها أن تقع في الكون بقدرته سبحانه وتعالى، وأذن للعبد أن يفعلها وأن يتلبس بها؛ لأنه لا يكون في ملك الله إلا ما أراد؛ إما إرادة شرعية أو كونية، وفي محصلة ذلك أن العبد لا يعمل عملاً إلا بإذن الله، فإما أن يأذن الله برضا، وإما أن يأذن بسخط، فإن كانت طاعة يأذن فيها برضا، وإن كانت معصية فهو يأذن في وقوعها من العبد في الحياة الدنيا وهو ساخط عليه، متوعد له بالعذاب في الدنيا والآخرة.
قال: [أن الخلق لا يشاءون إلا ما شاء الله عز وجل].
لابد أن نراجع الباب من أوله حتى نثبت أن الخير والشر بيد الله عز وجل، وأن السعادة والشقاء بيد الله عز وجل، وأن الطاعة والمعصية بيد الله عز وجل، وأن الجنة والنار بيد الله عز وجل: (خلق الله الجنة وخلق لها أهلاً وقسماً، وقال: يا أهل الجنة! خلود بلا موت، وخلق النار، وجعل لها من عباده قبل أن يخلقهم قسماً) وعلم الله عز وجل ما العباد عاملون، وما هم إليه صائرون، فخلق لهم النار، وقال: (يا أهل النار! خلود بلا موت)، وهكذا قضى عليهم بالخلود فيها.