قال: [قال تعالى: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ} [الحجرات:7].
فأخبر أنه حبب إليهم الإيمان، وزينه في قلوبهم، وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان، وسماهم راشدين، وأثنى عليهم بإحسانه إليهم].
يعني: أنه سبحانه وتعالى أحسن إليهم وهداهم وأرشدهم إلى الحق، ومع هذا يمدحهم؛ لأنه خصهم بالنعمة قبل أن يعرفوه، وبدأهم بالهداية قبل أن يسألوه، ودلهم بنفسه من نفسه على نفسه؛ رحمة منه لهم وعناية بهم من غير أن يستحقوه، وصنع بهم ما وجب عليهم شكره، فشكرهم هو على الإحسان إليهم قبل أن يشكروه، وابتاع منهم ملكه الذي هو له وهم لا يملكونه، وجعل ثمن ذلك ما لا يحسنون أن يطلبوه، فقال: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} [التوبة:111].
والجنة: مخلوقة لله عز وجل.
ثم قال: {فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:111].
فثمن الجنة أن أبيع نفسي ومالي لله عز وجل، فالله عز وجل هو الذي رزقك هذا المال، وهو الذي هدى نفسك للإيمان وحببه إليها، فهو تبارك وتعالى يمن عليك ثم يشكرك على ذلك، ويجزيك داراً عرضها السماوات والأرض سبحانه وتعالى.
ولو أن العبد عمر مليون عام في عبادة الله عز وجل فإنه لا يستحق الجنة على ذلك، لأن هذه العبادة الله عز وجل هو الذي قواه عليها، وقد كان من الأول قادراً أن يسلبه القدرة عليها.
ولو أن العباد عمروا ملايين الأعوام فقضوها في عبادة الله لما استحقوا جزاء أفعالهم وعبادتهم هذه الدار، ولكن الله تبارك وتعالى حبب إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم، وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان، ثم جازاهم على إحسانه إليهم الجنة.
فلا يمكن أبداً أن تساوي عبادتهم فضل الله عز وجل، ولكنه فضل الله تعالى، وهم لما قبضوا ثمن ابتياعه منهم ووصلوا إلى ربح تجارتهم لابد أن يشكروا الله حق الشكر، فقالوا: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} [الأعراف:43].
فالهداية بيد الله عز وجل، والذي يملك الهداية لابد أنه يملك الشقاء، لأنه لا يوجد إله يملك الهداية وإله آخر يملك الشقاء، وإنما الذي بيده الهداية هو الذي بيده الضلال، فهو يهدي من يشاء ويضل من يشاء، وهو إله واحد، يملك هذا وذاك، ويملك العالمين سبحانه وتعالى.